أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأوقاف الفلسطينية : 219 مستوطنا اقتحموا الأقصى صباح اليوم نادي الأسير: الأسرى يواجهون جرائم وانتهاكات ممنهجة ارتفاع عدد جثامين الشهداء في المقبرة الجماعية بخان يونس إلى 310 استشهاد 478 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الهلال الأحمر: عدد كبير من كبار السن والأطفال توفوا جراء الجوع الخارجية القطرية: ملتزمون بالعمل لمنع مزيد من الانهيار الأمني في المنطقة المبيضين: قافلة مساعدات أردنية تصل غزة سرايا القدس تعلن قصف سديروت ونيرعام ومستوطنات غلاف غزة 25 مليون دينار تكلفة الدورة الواحدة للتوجيهي اربد .. الحبس 6 أشهر لسيدة دفعت ابنتيها للتسول إزالة 5 أطنان من النفايات في غابة برقش يومي الجمعة والسبت %60 نسبة إشغال المزارع الخاصة بالأردن استمرار المظاهرات في جامعات أمريكا رغم الاعتقالات الحكومة: الصحافة ركيزة أساسية في دعم الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان الانتهاء من أعمال فتح شارع في ماحص 170 مركبة تطبيقات ذكية جديدة في الربع الأول من العام رئيس الوزراء الفلسطيني: سنقوم بكل واجب نحو إعادة التعليم في غزة بأسرع وقت دائرة الإفتاء تصدر أكثر من 39 ألف فتوى خلال شهر رمضان الحاخام المتطرف يهودا غليك يقود اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى هيئة تنظيم قطاع الاتصالات شريكٌ داعمٌ في القمة الثانية للجيل الخامس 2024 5G SUMMIT حزيران الجاري
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة عمان إذ تخرج من عباءتها وتتحول إلى قاعة مرور...

عمان إذ تخرج من عباءتها وتتحول إلى قاعة مرور وصارت تحيتهم "هاي" بدلاً من "سلام"

03-01-2012 12:58 AM

عمان إذ تخرج من عباءتها وتتحول إلى قاعة مرور وصارت تحيتهم "هاي" بدلاً من "سلام"
بلال حسن التل


نفضت السيدة, القادمة من فلسطين المحتلة عام 1948, والتي ولدت ونشأت في ظل الاحتلال, وعرفت فساد المجتمع الإسرائيلي, مثلما عرفت في جولاتها فساد الكثير من المجتمعات الغربية, نفضت هذه السيدة يديها استهجاناً واستغراباً مما رأته في بعض فنادق عمان ليلة رأس السنة من مجون وفسق, ومن بذخ وترف. وتساءلت عن أي فقر يتحدث الأردنيون وأية معاناة يدّعون, وعن أي انتماء للعروبة والإسلام تكتب صحفهم, وعن أي صمود يقولون.


أنا مثل السيدة التي صُدمت بما رأت في عمان, وفاق ما عايشته في إسرائيل, وفي غيرها من الدول الغربية التي زارتها. مصدوم بعمان التي اشك في كثير من الأحيان اني أعرفها. ليس لسرعة نموها العمراني الذي يأخذ شكلاً سرطانياً يأكل الأخضر واليابس ويجعلك لا تعرف الحي الواحد من أحيائها بين زيارة وأخرى, ويحول المدينة إلى غابة من الاسمنت المسلح والحجر القاسي, الذي لا يرحم, ويجمد مشاعر الناس فيها, فللبيئة تأثيرها على سكانها, لذلك يمتاز الجبليون بالأجسام والأصوات القوية. ويمتاز البدو بسعة الخيال, وسرعة الحركة. في حين يمتاز سكان المروج والمناطق الخضراء بلين العريكة وسماحة الطبع. وقد فقدت عمان ذلك كله وصارت مزيجاً غريباً من الطباع. فليس في جل أبنائها صحة أبناء الجبل, مثلما ليس فيهم سعة خيال البدوي, مثلما ليس فيهم أيضاً سماحة ولين عريكة سكان المروج والمناطق الخضراء. فقد صار لغالبية أحياء عمان وأهلها طبائع خاصة, هي طبائع هجين وثقافة خليط. وهذا خطر حقيقي يدلل على غياب الشخصية الوطنية الواحدة, نتيجة لغياب الثقافة الوطنية الموحدة. وفي ظل غياب هذه وتلك, لم يعد لعمان شخصية عمرانية واحدة أيضاً. والأخطر انه لم يعد لدى أهلها قيم وتقاليد واحدة. وهذا هو الأخطر لأنه يحول المدينة إلى قاعة "ترانزيت". لا يجمع ناسها إلا عامل الانتظار. وفي اثناء ذلك يتحدث كل واحد بلغته. ويمارس ما يشاء من طقوسه دون أن يلتفت إلى جاره في قاعة الانتظار التي سيفارقها بعد دقائق أو ساعات.


وبسبب هذا التفاوت في منظومة القيم والتقاليد في عمان, التي صارت بالنسبة للكثيرين قاعة مرور, تفاوت استقبالهم للسنة الجديدة. علماً بأن الاحتفال برأس السنة الميلادية على هذه الكيفية, ليس تقليداً عربياً ولا إسلامياً ولا مسيحياً. فالسيد المسيح الذي جاء برسالة المحبة والسلام والتواضع والبساطة والأخلاق, لا يقبل بالفسوق والمجون, ولا يقبل بالسكر والعربدة, ولا بالبذخ, خاصة في مجتمع تئن غالبيته الساحقة بين براثن الجوع والفقر. لكنه الخروج على تعاليم الرسل, وعادات الأمة هذا الذي يجري في رأس كل سنة ميلادية. وهذا الذي رأته السيدة القادمة من فلسطين المحتلة فاندهشت منه حدَّ الصدمة. وفي المجتمع الفاسق والماجن تتلبد المشاعر والأحاسيس, فلا يعود فيه مكان للفقير أو إحساس بهذا الفقير. مثلما لا يحس الفاسق والماجن بالوطن والأمة وقضاياها. فيصبح الحديث عن تحرير الأرض ومعاناة الأهل تحت الاحتلال كلاماً ممجوجاً. وهذه مقدمة الانهيار الحقيقي الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: ?وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ القول فدمرناها تدميرا? والفسق ألوان ودرجات لكنه في النهاية ثقافة وسلوك رأينا بعض مظاهرهما في ليلة رأس السنة.


ليست طقوس المجون في رأس السنة الميلادية, هي علامة الخروج الوحيدة لعمان من عباءة تقاليدها العربية والإسلامية, فكثيرة هي علامات هذا الخروج, لعلّ من أبرزها وأخطرها دلالة, هذه اللوحات التي تعلو واجهات المتاجر والشركات في عمان. والتي تكاد تغيب عنها اللغة العربية غياباً تاماً. سواء من حيث الاسم أو أبجدية الكتابة. حتى يكاد المرء المار في بعض شوارع عمان, لا يعثر على لوحة واحدة باللغة العربية. بل وأجزم ان بعض شوارع لندن وباريس فيها لوحات باللغة العربية أكثر من بعض شوارع عمان. ولئن كان الانجليز والفرنسيس يضعون لوحات عربية على واجهات محلاتهم عن وعي, بهدف اصطياد الزبائن من العرب, دون أن تغيب الانجليزية والفرنسية عن واجهات هذه المحلات, فإن الأمر في عمان يدلل على غياب الوعي. لأن كثيرين ممن يسمون متاجرهم بأسماء أجنبية, ويرفعون على واجهاتها حروفاً لاتينية, لا يعرفون معاني هذه الأسماء ولا يجيدون نطق الحروف اللاتينية. لكنه التقليد الأعمى, الذي يقود المهزوم إلى الولع بمن هزمه كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون وغيره من علماء الاجتماع.


وهؤلاء الذين يزينون واجهات متاجرهم بلوحات غير عربية, يعتدون على ثقافة الأمة وحضارتها من خلال اعتدائهم على لغتها التي هي وعاء دينها. وليت الأمر توقف عند حدود واجهات المحلات وأسمائها, لكنه امتد لما هو أخطر من مكونات حياتنا اليومية. فصار جلّ شبابنا من الجنسين يقدمون سيرهم الذاتية وسائر أوراقهم الثبوتية, خاصة طلبات التوظيف إلى المؤسسات المحلية باللغة الانجليزية. التي صارت لغة تخاطب يومي عند شرائح متنامية في بلدنا صارت تحيتها "هاي" بدلاً من "سلام". في أبشع صور من صور الهزيمة والاستلاب. غير أن ما هو أخطر من الهزيمة, وهو القابلية للهزيمة على حد تعبير المفكر الجزائري مالك بن بني رحمه الله. وأظننا في الأردن تجاوزنا مرحلة القابلية للهزيمة إلى مرحلة القبول بالهزيمة. بل والرضى بها, والدفاع عنها. عندما قبلنا بأن تصبح الخيانة وجهة نظر, والفساد شطارة و"فهلوة". وكلها من قيم الهزيمة وعادات المهزومين ومؤشرات. الفسق الذي يقود إلى الهلاك وفق المنطوق القرآني. ولا غرابة في ظل هذه القيم والعادات, ان يجري هذا الذي جرى في احتفالات رأس السنة من مظاهر خارجة عن العرف والدين. وعن ما اعتاد عليه آباؤنا مسلمين ومسيحيين من قيم وتقاليد في مناسباتهم الدينية الاجتماعية.


ليست وحدها الطقوس التي رافقت استقبال السنة الجديدة, هي مدعاة الاستغراب ومؤشر خروج عمان من عباءة عروبتها وتقاليدها. ذلك ان العام الذي ودعناه لم يحمل لنا معنى من معاني الفرح. مثلما ان العام الذي نستقبله تشير كل الدلائل على انه سيكون عاماً صعباً, على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. مما يفرض علينا ان نستقبله بكثير من الحذر والانتباه والاستعداد والجدية للتعامل مع ما هو أسوأ. حتى لا نؤخذ فيه على حين غرة فنندم حين لا ينفع الندم.


ثم كيف نفرح ونهرج ونغني ونرقص, وأهلنا في الأرض السليب يعانون ويلات الاحتلال حصاراً وقتلاً وإذلالاً وتجويعاً. وأقصانا مهدد بالدمار. ومثله المهد والقيامة, فأعداء محمد هم قتلة المسيح الذين يتربصون بنا الدوائر لتهويد أرضنا وتدمير مساجدنا وكنائسنا.


وكيف نفرح والدم الطاهر يروي تراب سوريا, بفعل المؤامرة التي تجتاح بلادنا من أقصى مغربها إلى قلبها النابض دمشق, مروراً بالقاهرة, وغير القاهرة, من عواصم أسلمت قيادها لعقلية القطيع, التي تدمّر كل شيء. دون ان تدري بشيء. ودون ان تعي جل جماهير الأمة, انه بعد عقود من استخدام قوى الاستكبار للحكام لضرب جماهير الأمة, ها هي نفس القوى تستخدم الجماهير لضرب الحكام, الذين أدوا أدوارهم وصاروا حمولة زائدة على سادتهم. وفي الحالتين خرجت الأمة خاسرة كل ذلك بفعل الهوة السحيقة بين حكامها وجماهيرها, التي تخرج اليوم إلى الشوارع تطالب بالتدخل الأجنبي لاحتلال أرضها. دون ان تتعلم من درس العراق الذي جاء الغزاة لتحريره من حاكمه فصار العراق كله في دائرة النسيان ممزقاً شذر مذر منهوب الثروات مشرد الأهل.


ومثلما لم نتعلم من درس العراق عندما عاد إلى بغداد بعض المحسوبين على أمتنا في بطون دبابات الاحتلال لتحريرها, لم نتعلم أيضاً من درس أفغانستان, عندما نفخت واشنطن في أوداج المجاهدين للقضاء على الاتحاد السوفييتي. ثم انقلبت عليهم فشردتهم شذر مذر, لأنهم إرهابيون يهددون السلم العالمي. ثم نعود لنطلب النصرة من واشنطن لتنقذنا من حكامنا الظلمة. فأي أمة هذه التي تضحك من جهلها الأمم. والتي يجد المهزومون من أبنائها وقتاً للهو والمجون. وكأن خطراً لا يهددهم واحتلالاً لا يداهمهم. بل وأسوأ من ذلك صار الاحتلال مطلباً لبعضهم يعلن في الساحات والميادين. وتصدر في شرعنته فتاوى. وتقام فضائيات. وتعمل لتبريره صحف. فهل هناك هزيمة أكبر من هذه الهزيمة؟ وهل هناك أدعى للضحك من هذا الجهل الذي تمارسه أمتنا فتقهقه الأمم من جهلها ثم يجد بعض أبنائها وقتاً للمجون؟!





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع