في لحظة مفصلية من تاريخ الأردن، ومع تراكم أزمات اقتصادية، اجتماعية، وإدارية، بات سؤال جوهري يتردد على ألسنة العامة والخاصة: هل الحكومة بحاجة إلى حكومة؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى تهكميًا، لكنه في العمق يعكس قلقًا وطنيًا حقيقيًا حول جدوى النمط الإداري التقليدي الذي بات عاجزًا عن اجتراح حلول متجاوزة للواقع ، و
الأردن، كدولة ذات موقع جيوسياسي حساس، يُعاني منذ عقود من ضغوط اقتصادية متزايدة، أبرزها :
ارتفاع الدين العام إلى نسب خطيرة ، وبطالة مرتفعة تجاوزت 22% في بعض التقديرات ، في ظل تآكل الطبقة الوسطى واتساع فجوة الفقر ، والاعتماد المفرط على القروض والمساعدات ، و
مع كل حكومة جديدة، تُرفع ذات الشعارات: الإصلاح، التشغيل، محاربة الفساد، الاستثمار ، إلا أن الواقع يؤكد أن النتائج غالبًا ما تكون خجولة، إن لم نقل عكسية ، وهو ما ولّد شعورًا عامًا بأن الحكومات المتعاقبة ما هي إلا نسخ مكررة من بعضها البعض، تُغير الأشخاص وتُبقي على ذات المنهج ، والسؤال : لماذا يُقصى التفكير خارج الصندوق؟
سيما وأن البيروقراطية ما زالت تحكم قبضتها على مفاصل الدولة، رافضة المخاطرة أو المغامرة الفكرية ، وكأن النظام الإداري الأردني تطور لحماية ذاته بيرقراطيا، لا لتحقيق التقدم ، فكل اقتراح غير مألوف يُقابل بالريبة، وكل فكرة خلاقة تُقابل بالرفض ، وهذا ما عمّق الأزمة، وجعل الدولة تدور في حلقة مفرغة من الإجراءات دون نتائج ملموسة ، والسؤال الأخطر هنا : لماذا الإنسانيون غائبون عن صناعة القرار ؟
ففي خضم هذا التراجع، يبرز هذا تساؤل الصارخ :
لماذا ما زال الإنسانيون خارج الحكومات ؟ – أولئك القادرون على صياغة رؤى متجددة للعدالة والكرامة والأمن الإنساني ، هذا السؤال ملح ويقتضي إجابة واضحة: لماذا يُستبعدون وهم الذين يمثلون أمنية الحكومات على المستوى العالمي، في زمن يبحث فيه العالم عن أخلاقيات الإدارة وشفافية القيادة ومرونة التفكير؟!
هل هناك أزمة ثقة بين الدولة وهذه الطليعة الإنسانية؟ أم أن هناك خشية خفية من مشروعهم الفكري العالمي الذي يحمل مفاتيح التغيير، ولكن أيضًا يعيد تشكيل خرائط النفوذ والسلطة؟! للأسف السؤال ما زال قائماً ومعلق ، سيما وأن إبعادهم يعني استبعاد التغيير الحقيقي ، وجميعنا يعرف أن
الإنسانيون لا يطرحون مجرد برامج تقنية، بل يطرحون تحولاً في النموذج العقلي والإداري والسياسي، وهم بذلك يشكلون تحديًا للذهنية القديمة التي تؤمن بـ"الاستقرار البيروقراطي عبر التحكم في مفاصل الدولة "، لا عبر التطور الواعي ، فضلاً عن
ان استبعاد الإنسانيين، لا لضعف كفاءتهم، بل لقوة مشروعهم، يُفسر لماذا لم يشهد الأردن حتى اللحظة قفزة نوعية في الأداء الحكومي ، وهنا نجد السياق يطرح تساؤلات كثيرة من ضمنها : أما آن أوان الثورة الذهنية ؟! سيما وأن
الأردن لا يحتاج فقط إلى حكومة جديدة، بل إلى نموذج حكم إنساني شجاع، مسؤول، يتبنى العقل الجماعي الكوني، ويعيد للسياسة روحها الخلاقة بطرق عملية ، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى إدماج العقول المتقدمة والمُستنيرة في الحكومات ، من أجل إعادة هندسة الإدارة العامة لتكون مرنة وقابلة للتحديث المستمر ، لا أن تبقى رهينة من طعنوا الوطن بالخاصرة ، وبدون اي برامج حقيقية تخدم الوطن المواطن والجماعة المحظورة خير برهان ودليل ، بالتالي علينا
الاعتراف بأن التنمية تبدأ من الأفكار وليس من الورشات المغلقة ، ومن القرار الجريء ، الذي يخرجنا من حقيقة مفادها أن
"الحكومة بحاجة إلى حكومة" وهذا ليس شعارًا، بل تشخيص لحالة من الجمود الهيكلي العميق ،
ومع استمرار تغييب الإنسانيين، الذين يمثلون حلم التحول الإنساني العالمي، فإن الأردن يُضيّع على نفسه فرصة الانبعاث من جديد كقوة فكرية، أخلاقية، وسياسية في المنطقة ، والسؤال
هل نمتلك الشجاعة للخروج من الدائرة، واستدعاء القادمين من المستقبل ، ولو لضمانة مقعد في حكومتهم العالمية القادمة حتماً ؟! ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .