زاد الاردن الاخباري -
عروبة السالم - في ظل المساعي المستمرة لتحديث المناهج التعليمية في الأردن وربطها مع المستجدات المعرفية والتربوية، تعالت أصوات مئات المعلمين محذرين من فجوة آخذة في الاتساع بين ما يُطرح من محتوى جديد، والبيئة الصفية القادرة على استيعابه، خصوصًا في ظل محدودية الوقت، ونقص الإمكانيات، وتحديات التطبيق العملي في الميدان التربوي.
مذكرة احتجاج جماعية حول منهاج اللغة الإنجليزية للصف الحادي عشر
أكثر من 900 معلم ومعلمة من مختلف محافظات المملكة وقّعوا على مذكرة رسمية سلموها لوزارة التربية والتعليم، يطالبون فيها بإعادة النظر في منهاج اللغة الإنجليزية الجديد المخصص للصف الحادي عشر، مؤكدين أنه يتضمن 12 وحدة دراسية تغطي مختلف المهارات اللغوية، ما يجعله من الناحية الواقعية غير قابل للتنفيذ الكامل خلال عام دراسي واحد، دون التأثير على جودة التعلم.
المعلمون أشاروا إلى أنهم، في أفضل الحالات، لم يتمكنوا من تجاوز الوحدة التاسعة حتى نهاية الفصل الثاني، وهو ما يعكس حجم التحدي، ويفرض حالة من الاستعجال على عملية التعليم، متسببا في تراجع مستوى الفهم والاستيعاب لدى الطلبة، وتحويل الهدف التربوي من بناء المهارات إلى مجرد إتمام المنهاج.
دعوة لإعادة توزيع المحتوى والمواءمة بين الكم والوقت
طالب المعلمون بإعادة توزيع محتوى المنهاج على الصفين الحادي عشر والثاني عشر، بما يتيح التدرج المعرفي والتفاعل الحقيقي داخل الحصة، ويخفف الضغط عن الطالب والمعلم معًا. كما شددوا على ضرورة إعادة النظر في أدوات التقييم بما يتماشى مع حجم المادة وليس على حساب التعمق في الفهم.
وأكد المعلم أحمد المعايطة، أحد المبادرين في الحملة، أن "التطوير ضرورة لا خلاف عليها، لكن أن يتم بعقلانية تأخذ بعين الاعتبار التحديات الميدانية، والوقت المتاح، وكفاءة الأدوات المتوفرة". وبيّن أن التحديثات الأخيرة في المناهج جاءت على حساب الجودة والتنفيذ، داعيًا إلى تشكيل لجان ميدانية تشارك فيها الكوادر التعليمية عند تطوير أي محتوى جديد.
منهاج تاريخ الأردن... كم معرفي ثقيل لا توازيه الحصص
وفي السياق ذاته، عبر عدد من معلمي التاريخ عن استيائهم من طبيعة مادة "تاريخ الأردن" للصف الحادي عشر، والتي طُبقت لأول مرة هذا العام، معتبرين أن المادة رغم أهميتها، إلا أنها جاءت بحجم معرفي ضخم يصل إلى 320 صفحة مقسمة على فصلين دراسيين، ولا يتناسب مع عدد الحصص المخصصة ولا الوزن الوزاري للمادة ضمن امتحان الثانوية العامة.
الأستاذ مالك الجساسرة، معلم مادة تاريخ الأردن، أوضح أن "الفصل الدراسي الثاني وحده يضم خمس وحدات مليئة بالتواريخ والمفاهيم المتداخلة"، وأضاف: "تفتقر المادة في أحيان كثيرة إلى التسلسل الزمني، وتكرر بعض المعلومات، ما يربك الطالب، ويدفع بالمعلم إلى العودة لأساليب التلقين، بسبب ضيق الوقت، رغم أن الرؤية التربوية الحديثة تشجع على التفاعل والتطبيق العملي".
وأكد الجساسرة أن التغذية الراجعة قُدمت للمركز الوطني لتطوير المناهج، لكنها لم تلقَ المعالجة الجذرية المطلوبة، بل اقتصرت على تعديلات سطحية. وقال: "نحن لا نرفض التطوير، بل ندعمه، ولكن بشرط أن يكون قابلاً للتنفيذ ومراعياً للزمن المدرسي وأدوات المعلم".
رسالة إلى صنّاع القرار: التطوير مطلوب.. ولكن ليس على حساب الطالب والمعلم
في ظل هذه التحديات، يوجه المعلمون نداءً إلى وزارة التربية والمركز الوطني لتطوير المناهج لمراجعة شاملة ومدروسة للمناهج الجديدة، تعتمد على تقييم واقعي للتجربة الميدانية، وتضمن التوازن بين الكم والمحتوى، وبين الزمن والتقييم، لتصب في النهاية في مصلحة الطالب الأردني الذي يستحق نظامًا تعليميًا يتسم بالكفاءة والعدالة.
ختامًا، يتفق الجميع على أهمية مواكبة التطور، لكن التحدي الأكبر يكمن في المواءمة بين الطموحات النظرية، والقدرة على التطبيق العملي في الميدان، وهو ما يتطلب شراكة حقيقية بين واضعي السياسات والمعلمين في الميدان، لضمان جودة تعليم تبني مستقبلًا معرفيًا مستدامًا.