في حيّنا العريق، اشتهر عم "أخطبوط" بصفات قلّما تجتمع في شخص واحد: عشق المال بجنون، وبخل يجعله يحسب أنفاسه خشية أن يدفع ثمن الأكسجين، وثماني حواس شمّ خارقة للطبيعة تمكنه من تحديد موقع أي وليمة مجانية على بعد كيلومترات. كان الناس يلقبونه سرًا بـ "صائد البوفيهات ذو الثمانية أذرع" و "كونت المحابر (في إشارة إلى حفظ المال بإحكام)".
تبدأ قصة عم أخطبوط المضحكة في عرس ابن الجيران "محمود". لم يكن عم أخطبوط من المدعوين المقربين، بل بالكاد يعرف والد العريس. لكن قبل أن تبدأ الزفة، ظهر عم أخطبوط فجأة عند مدخل قاعة الأفراح بابتسامة عريضة وكأنه عميد المدعوين. تقدّم بثقة نحو طاولة الاستقبال، ومدّ ثماني أذرعه لمصافحة والد العريس بحرارة مفتعلة قائلًا: "ألف مبروك يا أبو محمود! ما كنا لنفوت فرحة الغالي محمود".
خلال العشاء، كان عم أخطبوط نجم الحفل بلا منازع. تنقل بخفة ورشاقة بين أطباق المنسف والمقبلات مستخدمًا أذرعه ببراعة، وملأ طبقه حتى كاد الطعام يتطاير منه. لم ينسَ أن يخبئ بضع قطع من الكنافة في جيوبه المتعددة "احتياطًا للمساء". وبينما كان الحضور يتبادلون أطراف الحديث والتهاني، كان عم أخطبوط مشغولًا بتقييم جودة اللحم وكمية الأرز بكل عين من عيونه الثماني، ويسأل بهمس عبر أحد أذرعه عن نوع العصير "المجاني".
الغريب في الأمر أن عم أخطبوط، رغم ولعه الشديد بالأخذ، كان ينتظر من الجميع أن يقدموا له. في عيد ميلاده الستين، الذي أقام فيه "عزومة متواضعة" اقتصرت على أقاربه البعيدين الذين توقع منهم هدايا قيمة، جلس عم أخطبوط ينتظر الهدايا بلهفة طفل (أو ربما ثمانية أطفال مجتمعين). تلقى بعض الظروف المغلقة، وعلبًا ملفوفة بورق الهدايا اللامع، وبدت علامات الرضا على وجهه ذي التعابير المتغيرة.
لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما تذكرت ابنة أخته الصغيرة "سارة" أنها لم تحضر له هدية. اقتربت سارة بخجل وقدمت له رسمة بسيطة رسمتها له بقلم التلوين. نظر عم أخطبوط إلى الرسمة بجمود عبر عدة عيون، ثم سأل ببرود عبر أحد محاقنه الصوتية: "وما هذه؟ أين هديتك الحقيقية يا حبيبتي؟".
تجمعت الدموع في عيني سارة الصغيرة، وهمست: "هذه هديتي... رسمتها لك بحب".
في تلك اللحظة، تدخل الجدّ العجوز، والد عم أخطبوط، وقال بصوت حكيم: "يا بني، الهدايا ليست دائمًا أشياء مادية. أحيانًا تكون كلمة طيبة، أو ابتسامة صادقة، أو حتى رسمة من قلب طفل. أنت يا بني لم تفرح قلب طفل قط، ولم تقدم واجبًا من قلبك لأحد بأي من أطرافك الثمانية، ومع ذلك تنتظر أن يقدم لك الناس كل شيء".
نظر الحضور إلى عم أخطبوط بذهول. بدت كلمات الجد وكأنها صفعة أيقظته من سباته الطويل. للحظة، بدا وكأنه فهم شيئًا لم يفهمه من قبل. لكن سرعان ما تلاشى هذا التعبير عندما لمح طبقًا جديدًا من الحلوى يدخل القاعة، فاستدار بسرعة وهمس لنفسه عبر فمه الرئيسي: "يا ترى... هل ألحق بقطعة قبل أن تنتهي؟ لديّ متسع في أحد أذرعي!".
وهكذا، بقي عم أخطبوط كما هو، شخصية فريدة تجمع بين البخل والطمع وحب الذات، بينما يظل الجميع يتندرون على مغامراته المضحكة في البحث عن الكسب المجاني وتوقعه الدائم للعطاء دون مقابل. وتبقى قصته عبرة ساخرة تذكرنا بأن السعادة الحقيقية تكمن في العطاء والمشاركة، لا في الأخذ والادخار الأناني، حتى لو كان لديك ثمانية أذرع للمساعدة في ذلك.
قصة من الخيال
نضال انور المجالي