لطالما أكدت الحكومة الأردنية في رؤاها وخططها الاستراتيجية على أهمية التحول الرقمي وضرورة تعزيز المهارات المستقبلية كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية المستدامة. هذه الرؤية الطموحة تعكس إدراكًا متزايدًا للدور الحيوي الذي يلعبه الاقتصاد الرقمي في خلق فرص العمل، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز الابتكار، وجذب الاستثمارات.
إن هذه الرؤية تتوافق بشكل مباشر مع رؤى جلالة الملك عبد الله بن الحسين وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، اللذين يؤكدان باستمرار على ضرورة تسريع وتيرة التحول الرقمي في الأردن، وتمكين الشباب الأردني من مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، وبناء اقتصاد رقمي قوي ومستدام.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه النوايا الحسنة والخطوات المتقطعة التي تم تحقيقها، لا يزال التطبيق العملي لهذه الخطط على مستوى البنية التحتية، والتشريعات المنظمة، ومنظومة التعليم، يراوح مكانه دون مستوى الطموحات المعلنة، وتطلعات القيادة الرشيدة.
تحديات على صعيد البنية التحتية:
يمثل تطوير بنية تحتية رقمية متينة وحاضنة للنمو حجر الزاوية في أي استراتيجية للتحول الرقمي. وبينما نشهد توسعًا في شبكات الاتصالات، لا يزال الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة والموثوق به يشكل تحديًا في بعض المناطق. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب بناء اقتصاد رقمي قوي استثمارات مستمرة في مراكز البيانات الآمنة والمتقدمة، وتأمين مصادر طاقة مستدامة لتشغيل هذه البنية التحتية الحيوية. إن البطء في تطوير هذه الأسس قد يعيق بشكل كبير قدرة الشركات والأفراد على الاستفادة الكاملة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد الرقمي، ويعرقل تحقيق الرؤية الملكية في هذا المجال.
القصور التشريعي وتأخر التحديث:
لا يقل الإطار التشريعي والتنظيمي أهمية عن البنية التحتية المادية في دعم نمو الاقتصاد الرقمي. فالتشريعات الحالية قد لا تواكب بالضرورة التطورات المتسارعة في مجالات التجارة الإلكترونية، وحماية البيانات والخصوصية، والمعاملات الرقمية، والأمن السيبراني، وتنظيم عمل الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا. إن تبني وتحديث قوانين مرنة وتشجع على الابتكار والاستثمار في هذا المجال يعد ضرورة ملحة لخلق بيئة جاذبة وآمنة لجميع الأطراف المعنية، وتحقيق رؤية القيادة في توفير بيئة تشريعية محفزة.
فجوة المهارات وتحديات المنظومة التعليمية:
لا يمكن للاقتصاد الرقمي أن يزدهر دون وجود قاعدة واسعة من الكفاءات والمهارات الرقمية لدى الأفراد. وبينما تشهد بعض المبادرات التعليمية جهودًا لدمج مفاهيم التكنولوجيا في المناهج، لا يزال هناك فجوة واضحة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل المتزايدة في المجالات الرقمية. يتطلب الأمر تطويرًا شاملًا للمناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية، بالإضافة إلى إطلاق برامج تدريبية وتأهيلية متخصصة لسد هذه الفجوة وتزويد الشباب بالمهارات اللازمة لوظائف المستقبل، بما يتماشى مع توجيهات القيادة في تمكين الشباب.
نحو تسريع وتيرة العمل:
إن تحقيق الطموحات المعلنة في مجال الاقتصاد الرقمي، وتحقيق رؤى جلالة الملك وولي العهد، يتطلب تحركًا حثيثًا ومنسقًا على مختلف الأصعدة. يجب أن تتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني لوضع خطط تنفيذية واضحة ومحددة الأطر الزمنية، مع تخصيص الموارد اللازمة وتذليل العقبات البيروقراطية.
إن الاستثمار الذكي في البنية التحتية الرقمية، وتبني تشريعات حديثة ومرنة، وإصلاح المنظومة التعليمية لتواكب متطلبات العصر الرقمي، ليست مجرد خيارات، بل هي ضرورات حتمية لضمان مستقبل اقتصادي مزدهر للأردن وتمكين الشباب الأردني من المنافسة في سوق العمل العالمي، وتحقيق رؤية القيادة الرشيدة في بناء أردن رقمي متقدم. لقد حان الوقت للانتقال من مرحلة الطموح إلى مرحلة التنفيذ الفعال والملموس.
حفظ الله الاردن والهاشمين
المتقاعد العسكري نضال انور المجالي