أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
غالانت وبن غفير «يعبثان» بأوراق خطرة… الأردن: ما الرسالة ومتى يعاد «الترقيم»؟ “اخرسي ودعيني أكمل” .. احتدام النقاش بين البرغوثي ومسؤولة إسرائيلية على الهواء (فيديو) العين العبادي يؤكد دستورية المادة (4/58) من قانون الانتخاب الأردنيان حماد والجعفري إلى نهائي الدوري العالمي للكاراتيه ما سقط "في العراق" يكشف أسرار ضربة إسرائيل على إيران أول خبر سار لعشاق الصيف .. حرارة أربعينية تُطل برأسها على الأردن باحث إسرائيلي: تل أبيب فشلت بشن هجوم كبير على إيران الرئاسة الفلسطينية تدين عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة طولكرم غوتيريش يدعو لوقف دورة الانتقام الخطيرة في الشرق الأوسط طبيبة أردنية عائدة من غزة تصف معاناة النساء في القطاع إصابتان برصاص مجهول في إربد جماعة يهودية متطرفة تقدم مكافأة مالية لمن يذبح قربانا بالأقصى انتشال جثة شاب عشريني من مياه سد وادي العرب إثيوبيا تستفز مصر مجدداً: من أين لكم بمياه لزراعة الصحراء في سيناء رجل يحرق نفسه أمام محكمة ترامب - فيديو. هآرتس تكشف بناء بؤرتين استيطانيتين في غزة. أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة. 100 عمل مقاوم في الضفة الغربية خلال 5 أيام. الأردني أبو السعود يحصد ميدالية ذهبية في كأس العالم للجمباز. كتيبة جنين : استهدفنا معسكر سالم.
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام السياق السببي لصعود الإسلام السياسي

السياق السببي لصعود الإسلام السياسي

12-12-2011 02:18 PM

ربما يكون السؤال الأكثر تداولا عقب ما أفضت إليها انتخابات الدول العربية التي انهارت فيها أنظمة حكم دولة ما بعد الاستقلال من نتائج ، يتعلق أساسا بأسباب هذا الاكتساح الضخم لأصوات القاعدة الانتحابية الذي حققته أحزاب التيارات الإسلامية على حساب منافسيها، وبهذه السرعة مع أول إطلالات بوادر نوايا التأسيس لتجربة دمقرطة الحياة السياسية العربية.

وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة أيضا إلى أن الأكثر تداولا من بين الإجابات على هذا التساؤل، وخاصة من قبل الأوساط التي تناهض احزاب التيارات الإسلامية، يتراوح بين القول بتوسع الأحزاب الإسلامية باستخدام ما يسمى بالمال السياسي قبل وأثناء العملية الانتخابية، وعند البعض الأخر أن بنية خطابها الإيديولوجي ومن ثمة السياسي هو الأكثر استجابة لمستويات الوعي السياسي وخاصة لدى الفئات الشعبية بصورة عامة، والأكثر انسجاما مع الطبيعة الثقافية لعموم المجتمع بصورة خاصة، علاوة على امتلاك هذه الأحزاب لجزء من سائل الاتصال الجماهيري والفضاء العمومي الذي يجعلها على تماس يومي مع الناس، فيما يذهب فريق ثالث إلى فكرة المؤامرة، وادعاء أن صفقة ما عقدتها أحزاب التيارات الإسلامية مع الولايات المتحدة ، فيما ترى جماعات رابعة هي بالأساس من بعض مثقفي ومحترفي العمل السياسي إن شدة قمع أنظمة الحكم المنهارة سيما ضد هذه الأحزاب هو ما منحها شرعية الاعتراف بها شعبيا وتسبب في نجاحها الكاسح، هذا إلى جانب بعض الإجابات الجزئية هنا وهناك.

و رغم الوجاهة التي يمكن أن تحظى بها بعض جوانب هذه التفسيرات أو الإجابات، بيد أنها لا تتجاوز كونها إجابات سطحية من قبل البعض، وذرائعية بالأساس من قبل منافسي أحزاب التيارات الإسلامية، وخاصة قوى اليسار العربي التي تدفع اليوم، ثمنا باهظا لأخطاء إستراتيجية، تمثلت أساسا بغياب القدرة على تشخيص واقع دولة ما بعد الاستقلال، تشخيصا موضوعيا كان سيقودها ضرورة - لو تم - إلى صدام مفتوح مع السلطة، وهو ما لم ترغب بمقاربته لتجنب ذلك الصراع المكلف واكتفت بدلا عن ذلك برصد وتوصيف بعض ممارسات السلطة المدانة إقليميا ودوليا، توصيفات لم تمكنها من صياغة خطاب جماهيري مقنع، الشيء الذي يؤكد مشروعية استمرار طرح السؤال المتعلق بالأسباب التي تقف وراء نجاح الإسلام السياسي في موجة الانتخابات التي جرت في تونس والمغرب وأخيرا مصر والمنتظر إجراؤها في ليبيا وربما اليمن وسوريا والسودان، وقبلا في كل من العراق وفلسطين.
ولكن قبل الإجابة على ذلك، فان الأمر يقتضي ضبطا لإطارها المرجعي لجعلها أكثر منطقية ونرى انه لغرض هذا المقال سنكتفي بضابطين أولهما تحديد القوى المتنافسة سياسيا على الصوت الانتخابي، تحديدا أيديولوجيا، أما ثانيهما فهو تحديد المسافة التي تفصل هذه القوى عن الدولة وسلطتها السياسية كتعبير مكثف عن الأهداف والخطابات والممارسات التي أتتها هذه القوى نحو السلطة، على أن ُتترك طبيعة الدولة ونظامها السياسي وسلطتها إلى حيث تقتضي الحاجة الإشارة إليها.

والمتفق عليه في الإطار الأول أن خارطة العمل السياسي في معظم الدول العربية تتقاسمها أربع عائلات إيديولوجية أو عقائدية كبرى هي الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية وما ينبثق عنها من فصائل وعائلات صغرى، أما فيما تعلق بالإطار الثاني فهو الذي سيكون محور النقاش.

ولوضع الإجابة في سياقها الطبيعي فان من الضروري لفت النظر إلى السياق المفتعل في تحليل ظاهرة صعود الإسلام السياسي، الذي تسبب به خطاب اليسار العربي من حيث وضعه لكل نجاحات التيار الاسلامي في إطار الاستثناء أو الاستهجان. فقد غلبت على خطاب القوى العلمانية نحو قوى الإسلام السياسي نظرة تجزيئية ووصفية تعمم المثال أو إحدى الخاصيات التاريخية التي تنشأ في مجرى تطور قوى هذا التيار، وان نحت إلى التعميم فإنها تأخذ بالنظرة الأوروبية التي تتصف بالسلبية وسوء الفهم، الأمر الذي خلق نوعا من الالتباس في فهم وتفسير ظاهرة الإسلام السياسي على مستويي الوعي والممارسة، إذ كثيرا ما جاء الواقع على خلاف التصور ومن ثمة التوقع.

فالإسلام السياسي الذي وصف من قبل كبار منظري التيارات العلمانية اليسارية والقومية، كما جاء في مطارحات صادق جلال العظم انه في طريقه للانهيار أمام الزحف الجارف لقوة تأثير الفكر الماركسي، أو على انه رد فعل اجتماعي ووقائي نفسي إزاء بروز بعض الأمراض الاجتماعية كما يرى غالي شكري، أو انه انعكاس لطرق التعليم التلقيني التي تساعد على إشاعة وانتشار الواعظين، أو انه ظاهرة تتنامى مع تنامي ظاهرة الترييف ألمديني كما يفسر ذلك محمود أمين العالم، كل هذه التوصيفات كان يراد القول من وراءها أن الدين وأحزابه ظواهر منعزلة ولها أسبابها التي بزوالها ستزول الظاهرة، وانه ليس بمقدورها أن تعمم ذاتها.

هذه الجهوزية الفكرية- البسيكولوجية المنتشرة كثيرا في أوساط القوى والأحزاب والحركات العلمانية والحداثوية، هي ما تحول أولا دون فهم الظاهرة وفقا لشروط استمرارها الموضوعي، وتؤدي ثانيا إلى تعقيدات في دفع هذه القوى للاعتراف بوهن تفسيراتها، التي يترتب على الاعتراف بها ليس فقط الاعتراف بالخطأ، وإنما إعادة النظر في وسائل التقييم التي كثيرا ما تكون منعدمة لطغيان الإحساس بثقل الإيديولوجي لديها. وبذلك تصبح اقصر الطرق لتبرير التناقض هي البحث عن ثانويات للخلاف، يجري في أكثر الأحيان في ظلال غياب استحكام الوعي في العملية التقيمية التفكيرية، بل انه يتم في أجواء الصدمة التي يحدثها كل نجاح لقوى الإسلام السياسي.

والأكثر دلالة على ذلك هو تكرار نفس الشعور بالصدمة في كل محطة من محطات التاريخ السياسي العربي، رغم أن مخرجات فعل القوى الإسلامية هي نفسها، حيث تتبدى قدرتها في المنعطفات الخطيرة فاعلة ومؤثرة على التجنيد للدفاع عن الدين باعتباره دفاعا عن الأرض والوطن والهوية، كما تفعل العكس حيث توحد بين ما هو مادي وما هو روحي.

هذا الاستعراض لفهم قوى العلمانية العربية لظاهرة الإسلام السياسي لا يفسر أسباب عودة صعوده ولكنه يشكل جزءها الأساسي إلى جانب مواقف بقية التصنيفات الحزبية الأخرى ومواقف سلطة دولة ما بعد الاستقلال التي اتصفت بالانتهازية والاستبدادية معا. فالفراغ السياسي الذي تسببت به القوى العلمانية بشكل عام والقوى اليسارية بشكل خاص، هو الذي ستملؤه حتما أحزاب وحركات التيار الإسلامي.

ففي أعقاب تجربة انخراط هذا اليسار في معارضة سلطة دولة ما بعد الاستقلال وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، التي كانت مكلفة نسبيا ولكنها غير حاسمة رغم ما حققته بعض الأحزاب الشيوعية العربية من حضور ملموس في دول مثل العراق والسودان وسوريا ولبنان جعل منها قوة معارضة معتبرة، غير أنها لم تصل إلى مستويات القوة التي تصارع على الوصول إلى السلطة- باستثناء تجربة اليمن الجنوبي والتي فشلت مبكرا – الأمر الذي كشف عن محدودية الزخم الجماهيري الذي بلغته وانخفاض مستوى الجاهزية المجتمعية لحمل أهدافها، في أعقاب هذه التجربة ومع سقوط "النموذج الاشتراكي" كان الازدهار السياسي- الأيديولوجي لليسار العربي الذي ميز مرحلة الحرب الباردة، قد ولى ، وأمست نهاية حرب الخليج الثانية منعطفا فاصلا في تاريخ أحزاب وتنظيمات هذا اليسار.

ومع أواسط التسعينيات واثر موجة انشقاقات كبرى اجتاحت أحزاب شيوعية عريقة، برزت إلى المسرح السياسي أحزاب يسارية وماركسية ديمقراطية، أضفت على حركة اليسار العربي مضمونا جديدا على مستويي بناها الإيديولوجية والسياسية، طوي معها اليسار مفهومه الكلاسيكي وأنهى كثيرا من خلافاته الإيديولوجية التقليدية مع بعض القوى العلمانية وحتى الإسلامية ولكن دون أن يتمكن من صياغة بديل برنامجي واضح من سلطة دولة ما بعد الاستقلال، التي تزايدت أشكال استبدادها، مع تزايد ما لحق هيكلتها من تشويهات، حيث استحالت في السنوات الأخيرة إلى هياكل عصابات انعكست شدة قسوتها سلبا على قوى اليسار والقوى العلمانية الأخرى، التي توقت بطشها بالاستسلام لها أو تملقها أو تجنب استفزازها.

وفيما جنحت قوى اليسار والقوى العلمانية -خاصة مع انتشار طروحات منظري الانتصار التاريخي لليبرالية- لخيار الابتعاد عن خطوط التماس الساخنة مع السلطة، انخرط الإسلام السياسي في مواجهات حامية معها، ومع القوى الدولية التي تسندها، كثيرا ما اتخذت منحى عنيفا ومسلحا، ألهب مشاعر الشباب العربي الذي كان محاطا بأساطير وقصص العمليات الاستشهادية بدء من لبنان وفلسطين مرورا بالعراق وأفغانستان والشيشان وحتى نيويورك بالإضافة إلى الجزائر واستعراضات القوة الإيرانية وخطب احمدي نجاد النارية وأسامة بن لادن والزرقاوي وغيرهم.

كذلك فان الفراغ الذي كان قد خلفته هزيمة المشروع القومي العربي عقب حرب جوان 1967 والعودة القوية للأنظمة العربية المحافظة إلى مراكز صنع قرارات النظام العربي، التي ترافقت مع تضخم كبير في قوتها اثر تزايد ثرواتها النفطية، واستكمال السادات لخطوة فتح ثغرة ضخمة في جدار الأمن القومي العربي، ومن ثمة استباحة بغداد وتفكيك الدولة العراقية، وأخيرا الذهاب الفلسطيني لسلام أحادي الجانب كلها عوامل عرت دولة ما بعد الاستقلال واستبداد سلطتها وفشل كل مشاريعها التنموية والتحديثية من ناحية كما عرت كل القوى التي تحالفت معها أو تملقتها أو حتى تجنبتها.

ومع تزايد تعنت سلطة الدولة في رفض خوض مغامرة الإصلاح السياسي، بدأت الدولة ومؤسساتها تواجه تحديات خطر انهيارها وفشل مؤسساتها في التكيف مع مستويات الوعي السياسي للشعوب الذي كان في احد جوانبه نابعا من طبيعة خطاب السلطة نفسها التي ألزمت نفسها به دون أن تكون لها حتى نية تطبيقه مما فاقم من أزمة مشروعيتها ومشروعية كل القوى التي تدور في فلكها.

في هذه الأثناء كانت مشروعية مناهضي هذه الدولة من القوى والأحزاب والتي كان من أبرزها أحزاب التيارات الإسلامية التي وقفت في مواجهة سلطة هذه الدولة وخياراتها واستبداديتها تتزايد أكثر فأكثر وتكتسب لها مصداقية خاصة لدى المواطن العربي، عكسها مؤخرا على خياراته داخل صناديق الاقتراع، وهو ما قد يفسر لنا بعض جوانب السياق ألسببي في نجاح القوى الإسلامية في موجة الانتخابات الراهنة، لا كلها.





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع