خططت هذه السطور أثناء متابعتي إحدى جلسات الاستماع في الكونغرس الخاصة بتعيينات الإدارة الأمريكية الجديدة. لا بديل عن متابعة هذه الجلسات وجميعها تبث على الهواء مباشرة، باستثناء عدد محدود من الموضوعات بالغة الحساسية التي يتم بحثها في جلسات مغلقة، أو من طبيعة غاية في السرية التي لا يتم الإطلاع على مخرجاتها -خاصة التحقيقية منها- إلا من قبل مجموعة الثمانية، مناصافة أربعة أعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي.
من الخلاصات المبكرة للمتابعة المباشرة، القدرة على تمييز مدى مهنية الصحافة في تغطية ما جرى لاحقا في نشراتها وبرامجها الحوارية. من الصادم والمحرج والمقلق أحيانا، أن تقارن بعد ذلك ما يتم تدواله في وسائل الإعلام الخارجية. كنت من الذين ظنوا أن المشكلة محصورة في الشرق الأوسط، لتفضح حربا أوكرانيا والسابع من أكتوبر انحيازات الصحافة الدولية، محررين ومراسلين ومعلقين ومحللين حيث من السهل التعرف على خيوط السرديات الأولية بعد الترجمة الركيكة أحيانا إلى حد قلب الأسود إلى أبيض فضلا عن العبث بكل درجات ما بينها من أطياف رمادية.
الطريف هو «تكويع» بعض من كان «القطيع» يعتد بآرائهم. كما في زمن كورونا التاسع عشر والبِتكويْن والإيه آي اختصارا للذكاء الاصطناعي، ودور منصات التواصل الاجتماعي التي عاثت فسادا بالوعي الجمعي وعملت على إشاعة الفوضى في سنوات عجاف دامية مثلتها حقبتا «الفوضى الخلاقة والربيع العربي»!! لم تكن صدفة حرص الرئيس الراحل من البيت الأبيض جو بايدن التحذير في خطابه الوداعي للأمة الأمريكية من «طغمة الأثرياء ومجمع المعلوماتية والتقنية» على غرار تحذير أحد أبرز الرؤساء الأميركيين في القرن العشرين وأول قائد لحلف الناتو دوايت آيزنهاور من «المجمع الصناعي العسكري» وتأثيره على قرارات الحرب والسلم. التأثير كان عبر مجلسي الكونغرس ولجانه الخاصة ومراكز البحوث وجماعات الضغط لكنه صار منذ وصول الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما عبر وسائل الإعلام على نحو غير مسبوق اشتكى من انحيازه الرئيس القادم القديم دونالد جيه ترامب والذي وصفه بعدو الأمريكيين في إشارة إلى دور من اتهمهم اليسار المتطرف في الحزب الديموقراطي المتواطئ مع تيار العولمة واليسارية المعادية للمفاهيم الدول والأوطان والقيم التقليدية للأسر والمجتمعات.
كانت الجلسة التي أشرت إليها بداية المقالة مع كريستي نيوم (تلفظ نوم) حاكمة ولاية ساوث داكوتا، المزارعة وراعية الماشية التي اختارها ترامب وزيرة للأمن الوطني. سرعان ما تحولت القنوات عن تغطية جلسة الاستماع إليها في مجلس الشيوخ الأمريكي لنقل خبر عاجل توقعه بايدن وترامب تمثل بإقرار المحكمة العليا قرار حظر تيك توك في أمريكا ما لم تقم بشرائها شركة أو شخصية أمريكية.
القرار كان قد اتخذه الكونغرس بتوافق بين الحزبين لخطورات التطبيق على الأمن الوطني والفردي في أمريكا. لحسن الحظ، يخل هاتفي من هذا التطبيق وتجنبت أي محتوى «تُكتُكيّ» المنشأ أو الهوى، لكني أخفقت في إقناع الكثير ممن يعنيني ويهمني أمرهم بمقاطعة التطبيق. لكن عقوبة الخمسة آلاف دولار يوميا لكل من أبقى التطبيق على هاتفه ستكون قطعا أكثر إقناعا من أي من «المسؤولين أو المؤثرين»!!
أحببت طرح مثال «تُكتُكي» للتأشير على أن «غدا يوم آخر». ومن بين ما سينظر فيه الرئيس الجديد، بعد ظهيرة العشرين من يناير ليس فقط تطبيق هدنة حماس-إسرائيل بل مصير تطبيق «تيك توك» الذي كان له الفضل الكبير، إلى جانب نصائح ابنه الأصغر «بارون»، على كسب أصوات الناخبين للمرة الأولى، والشباب والمرأة والوسط في الحزب الديموقراطي، لا بل حتى يسار الحزب من فريق منافسته كامالا هاريس ومعكسر الحزب الديموقراطي وحظيرة اليسار عموما، بما فيه المتطرف الذي أعجبته الكثير من سياسات ونهج وطريقة عمل ترامب، والتي قد يكون من بينها شراء قطب أمريكي تقنيّ -مجمع «بيغ تيك»- من المدعوين لحفل التنصيب الإثنين لتيك توك، فيضرب بذلك ترامب أكثر من عصفور بحجر واحد. ولكل من تلك «العصافير» تفاصيل أخرى، من بينها كسب أصوات ناخبين جدد للمواجهة المقبلة بعد عامين -انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أو التمهيدية- ممن يعرفون الآن باللاجئين، لاجئي التيك توك!