أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأردن .. الجيش يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرة مسيرة كييف تعلن استعادة 757 جثة لجنود أوكرانيين من روسيا تفاصيل لقاء الشرع مع وزير خارجية السعودية مفوضية حقوق الإنسان: إسرائيل تستخدم القوة المميتة غير القانونية في جنين ما حجم الإنفاق العسكري الأمريكي على إسرائيل منذ نشأتها؟ وما مستقبله مع عودة ترامب؟ الأونروا: 1.9 مليون شخص بقطاع غزة يعيشون بلا مأوى الدفاع المدني الأردني يحذر من الاقتراب من الأودية ومناطق السيول مصدر رسمي: الأردن لا يعتبر المقاومة 'ميليشيات' وترجمة 'غير سليمة' لتصريحات دافوس مقتل عنصرين من حرس الحدود العراقية في هجوم مسلح الجيش السوداني يطرد قوة للدعم السريع من الفاشر وسط اشتباكات عنيفة ترامب: سأطلب من السعودية وأوبك خفض كلفة النفط الكوفحي يؤكد أهمية تنظيم العلاقات مع الموردين لتعزيز خدمات بلدية إربد تحذير أممي .. استخدام إسرائيل "أساليب الحرب" في جنين يهدد وقف النار في غزة الشرع يستقبل وزير الخارجية السعودي في دمشق الصفدي: ما يحدث بالضفة الغربية خطير جداً ويجب أن يتوقف أفغانستان تندد بطلب خان إصدار مذكرتي اعتقال ضد قائدين بطالبان مؤتمر إغاثة القطاع الصحي في غزة يوصي بتوطين العلاج في القطاع الجنيه الإسترليني يصعد فوق حاجز الـ24ر1 دولار للتذكير .. إغلاق جسر الملك حسين أمام المسافرين الأحد 26 كانون الثاني "الأونروا": 1.9 مليون شخص بقطاع غزة يعيشون بلا مأوى
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام مِعْلَقَةُ الزَّيْتِ

مِعْلَقَةُ الزَّيْتِ

08-12-2024 07:18 AM

اَلْكَاتِبَةُ : - هِبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ - مِنْ رَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ مِنْ النَّوْمِ مُفْعَمٌ بِالْحَيَاةِ ، هَادِئَ الْفِكْرِ ، تَصْنَعُ مَا تَشْتَهِي وَتَشْرَبُ مَا تُحِبُّ ، مِنْ الرَّفَاهِيَةِ أَنْ تَفْتَحَ الْكِتَابَ وَتَسْتَمِعَ إِلَى الْمُوسِيقَى الْمُفَضَّلَةِ ، تَرْسُمُ مَا يَجُولُ فِي خَيَالِكَ ، تَضْحَكُ مَعَ الْعَائِلَةِ وَتُحَادِثُ الْأَصْدِقَاءَ ، وَتَسْقِي نَبَاتَاتِكَ وَتَتَأَمَّلُ السَّمَاءَ . . أَنْتَ دَائِمًا مُحَاطٌ بِالنِّعَمِ دُونَ أَنْ تَشْعُرَ .
صَبَّاحُ الْحَيَاةِ .
وَبَيْنَمَا أَسْتَمْتِعُ بِجَمَالِ الصَّبَاحِ ، وَكَأَنَّنِي أَكْثَرُ شَخْصٍ مَحْظُوظٍ بِالْعَالَمِ ، لِأَنِّي مُحَاطٌ بِآلَافِ النِّعَمِ ، فَمُنْذُ أَنْ أَصْبَحْتُ إِلَى أَنْ أَمْسَيْتُ وَأَنَا غَارِقٌ فِي نِعَمِ اللَّهِ وَأَفْضَالِهِ الْعَظِيمَةِ عَلَيَّ ، نِعَمْ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ ، صِحَّةٌ فِي الْجَسَدِ ، أَهْلٌ وَأَحْبَابٌ وَأَمْنٌ وَأُمْآنُ ، سَعَةٌ فِي الرِّزْقِ وَوَفْرَةُ الْمُؤَنِ ، فَاحْمَدْ اللَّهَ عَلَى مَا وَهَبَ وَأَجْزَلَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا .
رَنَّ جَرَسَ الْهَاتِفِ وَإِذْ أَسْمَعُ صَوْتًا يَقُولُ لِي : - جَارٍ كَيْفَ الْحَالُ ؟ هَلْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ تُوَصِّلَنِي مَعَكَ فِي طَرِيقِكَ إِلَى عَمَلِي ؟ إِذَا تَكَرَّمْتَ طَبْعًا . .
فَوَافَقْتُ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ لَهُ عَلَى الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ .
وَسَارَعْتُ عَلَى الْفَوْرِ وَاسْتَقْلَيْتُ سَيَّارَتِي وَانْتَظَرْتُهُ وَعِنْدَمَا أَتَى وَفَتَحَ بَابَ السَّيَّارَةِ نَظَرَ إِلَيَّ نَظْرَةً مَمْزُوجَةً بِالِاسْتِغْرَابِ وَالتَّمَنِّي ثُمَّ ضَحِكَ ضِحْكَةً مُصْفَرَّةً وَقَالَ : - عَالِمٌ بِتَرْكَبْ سَيَّارَاتٍ وَاللَّهُ مُنَعِّمٌ وَمُفَضَّلٌ عَلَيْهَا وَعَالِمٌ يَا دُوبَهَا مَعَهَا حَقُّ أُجْرَةِ التِّكْسِي ، صَبَاحُ الْخَيْرِ جَارْ هَهْهَهْهْهَهَهَهَهْ .
نَظَرْتُ إِلَيْهِ مُسْتَغْرِبًا وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : لَا بُدَّ أَنَّهُ يُمَازِحُنِي ، ابْتَسَمْتُ ابْتِسَامَةً تَعْلُوهَا الدَّهْشَةُ ثُمَّ قُلْتُ : - صَبَاحُكَ وَرْدٌ وَخَيْرٌ وَنَعِيمٌ جَارٍ !

وَبَيْنَمَا كُنَّا نَتَبَادَلُ الْأَحَادِيثَ عَنْ ظُرُوفِ الْحَيَاةِ وَكَيْفِيَّةِ التَّعَايُشِ مَعَهَا ، اسْتَوْقَفَتْنَا إِشَارَةُ الْمُرُورِ ذَاتُ اللَّوْنِ الْأَحْمَرِ ، لَفَتَ نَظَرِي جَارِي الَّذِي يَجْلِسُ بِجَانِبِي يَنْظُرُ مِنْ خِلَالِ نَافِذَةِ السَّيَّارَةِ بِطَرِيقَةٍ مُثِيرَةٍ لِلدَّهْشَةِ ، يَنْظُرُ مِنْ هُنَا تَارَةً وَمِنْ هُنَاكَ تَارَةً أُخْرَى ، حَيْثُ أَنَّهُ أَثَارَ فُضُولِي لِدَرَجَةِ أَنَّنِي أَعْتَقَدْتُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَشْبَهَ بِإِنْسَانٍ يَعْرِفُهُ ، لَالَحْظَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا : - اُنْظُرْ يَا جَارُ إِلَى هَذِهِ السَّيَّارَةِ الْفَارِهَةِ ، أَتَعْلَمُ أَنَّ بَنْزِينَ هَذِهِ السَّيَّارَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ قَدْ يَكُونُ نِصْفَ رَاتِبِنَا هَهْهَهَهَهَهَهْ ، وَلِلْأَمَانَةِ شَعَرْتُ بِالدَّهْشَةِ وَتَسَاءَلْتُ كَيْفَ يُفَكِّرُ هَذَا الشَّخْصُ ! ؟ وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَرَّ مِنْ أَمَامِنَا رَجُلٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ ، نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ : - انْظُرْ يَا جَارُ وَتَمَعَّنْ بِالنَّظَرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَنَّنَا مَا زِلْنَا نَمْشِي عَلَى أَقْدَامِنَا ، لَدَيْكَ قَدَمَيْنِ لِتَسِيرَ بِهِمَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَلِتَطُوفَ بِهِمَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَنَسْعَى بِهِمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَتَصْعَدُ بِهِمَا عَلَى عَرْفَاتٍ وَتَقِفُ بِهِمَا هُنَاكَ ، وَتَبْتَعِدُ بِهِمَا عَمَّنْ يُرِيدُ إِيذَاءَكَ وَتَهْرُبُ بِهِمَا عِنْدَمَا يَحْدُثُ الْخَطَرُ .
إِنَّكَ تَذْهَبُ بِهِمَا كُلَّ يَوْمٍ إِلَى عَمَلِكَ وَوَظِيفَتِكَ ، وَتَعُودُ وَلَاتَشْعُرُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ ، وَلَمْ تُفَكِّرْ يَوْمًا فِيمَنْ حُرِمُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ ، وَكَيْفَ أَصْبَحُوا يَعِيشُونَ حَيَاتَهُمْ ؟ فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ وَهُمْ يَزْحَفُونَ عَلَى أَيْدِيهِمْ بَيْنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ ، وَقَدْ لَبِسُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ مَايِقِيهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ ! !
رَبْتُ عَلَى كَتِفِهِ وَنَظَرْتُهُ لَهُ بِنَظْرَةٍ حَنُونَةٍ وَقُلْتُ لَهُ : - جَارِي الْعَزِيزَ لَا تَجْعَلْ هَمًّا وَاحِدًا يُنْسِيكَ أَلْفٌ مِنْ النِّعَمِ .
شَعَرْتُ لِوَهْلَةٍ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِهِ كَإِنْسَانٍ صَحِيحِ الرَّجْلَيْنِ بَعْدَ هَذَا لِيَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، قَبْلَ أَلَّا يَذْكُرَ قَدْرَهَا إِلَّا بَعْدَ إِصَابَتِهِ بِهَا ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لِلْجَمِيعِ . ، نَظَرَ إِلَيَّ وَتَكَلَّمَ بِكُلِّ ثِقَةٍ ثُمَّ قَالَ : - حَتَّى لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، سَنَذْهَبُ إِلَى مُسْتَشْفَيَاتٍ خَمْسِ نُجُومٍ كَمَا يَقُولُونَ وَنَتَعَالَجُ وَسَنَرْجِعُ كَمَا كُنَّا وَأَفَضِّلُ أَيْضًا .
شَعَرْتُ لِوَهْلَةٍ انْ جَلْسَةً وَاحِدَةً مَعَهُ أَرْهَقَتْنِي نَفْسِيًّا ، فَهُوَ يَرَى الْأُمُورَ بِسَوْدَاوِيَّةٍ مُحْبِطَةٍ .
نَظَرْتُ لَهُ وَكَانَتْ مَلَامِحُ وَجْهِي يَعْلُوهَا الْبُؤْسُ وَالْإِحْبَاطُ وَقُلْتُ : - أَتَعَلَّمُ ، وَعْكَةٌ صِحِّيَّةٌ تُذَكِّرُكَ كَمْ أَنَّكَ غَارِقٌ فِي النِّعَمِ ، فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَكُلِّ ثَانِيَةٍ ، نَعَمْ فِي جَسَدِكَ وَسَمْعِكَ ، وَبَصَرِكَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى مُمَارَسَةِ مَا تُفَضِّلُ ، وَالتَّمَتُّعِ بِتَذَوُّقِ الطَّعَامِ ، وَاسْتِنْشَاقِ الرَّوَائِحِ ، وَالْحَدِيثِ وَالضَّحِكِ مَعَ مَنْ تُحِبُّ ، النَّوْمُ بِرَاحَةٍ وَالِاسْتِيقَاظُ بِكَامِلِ عَافِيَتِكَ .
وَعَكَّةٌ صِحِّيَّةٌ تُخْبِرُكَ أَنْ تَحْمَدْلُلَهُ عَلَى كُلِّ النِّعَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ !

سَكْتَ بُرْهَةٍ مِنْ الزَّمَنِ شَعَرْتُ لِلَحْظَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ : - مَا هَذَا الْجَارُ الْفَيْلَسُوفُ ، الَّذِي يُلْقِي النَّصَائِحَ وَالْكَلَامَ الْمُنَمَّقَ وَالْوَعْظَ وَالِارِّشَادَاتِ ! ؟ ثُمَّ أَرْدَفَ قَائِلًا : -
لَوْ تَعْلَمْ يَا جَارِي الْعَزِيزَ مَنْ رَأَيْتَ بِالْأَمْسِ ، شَخْصٌ لَنْ يَخْطُرَ عَلَى بَالِكَ ؟ ! تَعْرِفُ لِمَاذَا ؟ ! لِأَنَّهُ شَخْصٌ لَا يَمْتَلِكُ ذَرَّةَ ذَوْقٍ وَفَجْأَةً أَصْبَحَ يَلْبَسُ وَيَتَهَنْدَمُ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ ، لَا وَ أُزِيدُكَ مِنْ الشَّعْرِ بَيْتًا ؛ مَلَابِسُهُ مَارْكَاتٌ هَهْهَهْهَهْ ، يَعْتَقِدُ هَذَا السَّاذَجُ أَنَّهُ إِذْ حَسَّنَ مِنْ مَظْهَرِهِ سَيُصْبِحُ إِنْسَانٌ لَهُ قِيمَةٌ ، حَسَنًا وَمَاذَا أَقُولُ أَنَا ، مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَلِي قِيمَةٌ عَالِيَةٌ كَيْفَ لَوْ أَمْتَلَكْتُ رُبْعَ مِقْدَارِ مَلَابِسِهِ ! ! ! وَلَكِنْ كَمَا قُلْتُ لَكَ الدُّنْيَا حُظُوظٌ . .
ثُمَّ سَكَتَ لِوَهْلَةٍ وَقَالَ بِاسْتِغْرَابٍ ، نَعَمْ صَحِيحٌ تَذَكَّرْتُ أَيْضًا أَتَعَلَّمُ فُلَانَ الْفُلَانِيَّ الَّذِي يَحْمِلُ دَرَجَةَ دُكْتُورَاةٍ بِالتَّخَصُّصِ كَذَا ، لَوْ أَنَا كُنْتُ مَكَانَهُ وَحَصَلْتُ عَلَى نَفْسِ الدَّرَجَةِ مِنْ التَّعْلِيمِ ، كُنْتُ أَنَا لَيْسَ أَنَا بَلْ كُنْتُ شَخْصًا مُخْتَلِفًا تَمَامًا ، لَفَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ لَمْ يَسْتَفِيدْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلَّا فَقَطْ أَنَّهُ يَمْتَلِكُ لَقَبَ كَذَا ، مَاذَا سَنَفْعَلُ كَمَا قُلْتُ لَكَ مِنْ قَبْلُ الدُّنْيَا حُظُوظٌ . .

قُلْتُ فِي نَفْسِي : - لِلْأَسَفِ يُمْكِنُ الْعُثُورُ عَلَى الْحَسَدِ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَقْرِيبًا ، وَهَذِهِ بِالطَّبْعِ حَقِيقَةٌ مُحْزِنَةٌ . وَيَنْشَأُ هَذَا الْخُلُقُ الذَّمِيمُ بِسَبَبِ الْإِحْسَاسِ الدَّاخِلِيِّ بِضَعْفِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا يُرِيدُهُ وَيَطْمَحُ إِلَيْهِ ، وَغَالِبًا مَا يَحْسَدُ الْأَشْخَاصُ عَلَى الْمَنَاصِبِ الْعُلْيَا وَالْأَوْسِمَةِ وَمَا يَمْتَلِكُونَ مِنْ ثَرْوَةٍ وَسُمْعَةٍ مَرْمُوقَةٍ فِي حَيَاتِهِمْ ، مِمَّا يَجْعَلُ نَفْسَ الْحَاسِدِ تُوَلِّدُ حِقْدًا كَبِيرٌ وَدَنَاءَةً فِي طَبِيعَتِهِ .
ثُمَّ نَظَرْتُ لَهُ وَقُلْتُ : -
أَشْعُرُ يَا جَارِي الْعَزِيزَ بِأَنَّكَ مَهْمُومٌ ؟ هَلْ يُثْقِلُكَ الْهَمُّ وَيَضِيقُ صَدْرُكَ ؟ أَمْ أَنَّكَ تَرَى نَفْسَكَ فَقِيرًا أَوْ مَحْرُومًا ؟ تَوَقَّفْ لِلَحْظَةٍ وَانْظُرْ حَوْلَكَ هُنَاكَ مَنْ يَنَامُ عَلَى الْأَرْصِفَةِ ، وَهُنَاكَ مَنْ لَا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ ، وَهُنَاكَ مَنْ حُرِمَ مِنْ نِعْمَةِ الصِّحَّةِ أَوْ الْأَمْنِ أَوْ الْعَائِلَةِ .
تَأَمَّلُ حَالِ مَنْ هُمْ أَقَلُّ مِنْكَ ، وَسَتَجِدُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى . رُبَّمَا تَغْفَلُ عَنْهَا وَسَطَ هُمُومِ الدُّنْيَا ، لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ أَنَّهَا تُحِيطُ بِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
قُلْ : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاجْعَلْهَا نَبْضَ قَلْبِكَ وَلِسَانِكَ . اَلشُّكْرُ يُعِينُكَ عَلَى اَلصَّبْرِ ، وَيَزِيدُكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، فَهُوَ اَلْقَائِلُ :
لَئنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [ إِبْرَاهِيمَ : 7 ] .
شَعَرَتْ لِلَحْظَةٍ أَنَّهُ أُصِيبَ بِتَشَنُّجٍ وَعَصَبِيَّةٍ بَالِغَةٍ .
رَفَعَ كَتِفَيْهِ احْتِجَاجًا وَنَظَرَ بِعُيُونٍ مُسْتَنْكِرَةٍ وَ وَجْهٍ عَابِسٍ ، مَرَّتْ الدَّقَائِقُ مُتَثَاقِلَةً كَأَنَّهَا السَّاعَاتُ ، كَانَ الدَّمُ يَغْلِي فِي عُرُوقِهِ وَيَكَادُ يَنْفَجِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ الْمُحَمَّرَتَيْنِ .
أَضْجَرَنِي صَمْتُهُ وَكَانَتْ أَعْصَابُهُ تَلْتَهِبُ ضَجَرًا وَغَضَبًا وَيَتَأَقَّفُ وَيَتَذَمَّرُ كَانَ يُلَامِسُ أَزْرَارَ سُتْرَتِهِ مَرَّهُ وَ يَتَصَفَّحُ هَاتِفَهُ الْجَوَّالَ فِي مَلَلٍ وَاضِحٍ وَ نَفَاذِ صَبْرٍ .
قُلْتُ لَهُ مُمَازِحًا : - جَارِي الْعَزِيزَ تَحْتَاجُ مُعَلَّقَةً مِنْ الزَّيْتِ .
نَظَرَ إِلَيَّ مُنْدَهِشًا وَقَالَ : - تُعْطِينِي مُعَلَّقَةً مِنْ زَيْتٍ فَقَطْ ! مَا هَذَا الْبُخْلُ يَا جَارُ ؟ ! أَنْتَ كَرِيمٌ وَاحْنَا بِنِسْتَاهِلْ ، لَوْ تُعْطِينَا تَنْكَةَ زَيْتٍ أَفْضَلَ وَأَفْضَلُ هَهْهَهَهْ .
قُلْتُ لَهُ مُبْتَسِمًا : - مِلْعَقَةٌ مِنْ الزَّيْتِ قِصَّةُ هَهْهَهَهَهْ . . . مِنْ رَوَائِعِ الْأَدَبِ الْعَالَمِيِّ :
يَحْكِي أَنَّ تَاجِرًا كَانَ لَدَيْهِ ابْنٌ يَشْكُو مِنْ التَّعَاسَةِ وَلِكَيْ يُعَلِّمَهُ مَعْنَى السَّعَادَةِ ، أَرْسَلَهُ لِأَكْبَرِ حَكِيمٍ مَوْجُودٍ بِذَلِكَ الزَّمَانِ .
وَحِينَ وَصَلَ لِقَصْرِ الْحَكِيمِ وَجَدَهُ فَخْمًا وَعَظِيمًا وَكَبِيرًا مِنْ الْخَارِجِ . وَحِينَ دَخْلِهِ
سَأَلَ الْحَكِيمُ : هَلْ لَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِسِرِّ السَّعَادَةِ ؟
فَرَدَ الْحَكِيمِ : أَنَا لَيْسَ لَدَيَّ وَقْتٌ لِأُعَلِّمَكَ هَذَا السِّرَّ وَلَكِنْ اخْرُجْ وَتَمَشِي بَيْنَ جَنَبَاتِ هَذَا الْقَصْرِ ثُمَّ ارْجِعْ لِي بَعْدَ سَاعَتَيْنِ .
وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِلْعَقَةً بِهَا قَلِيلٌ مِنْ الزَّيْتِ وَ
قَالَ لَهُ : ارْجِعْ لِي بِهَذِهِ الْمِلْعَقَةِ ، وَاحْرِصْ عَلَى أَلَّا يَسْقُطَ مِنْهَا الزَّيْتُ !
فَخَرَجَ الشَّابُّ وَطَافَ بِكُلِّ نَوَاحِي الْقَصْرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَكِيمِ .
فَسَأَلَهُ : هَلْ رَأَيْتَ حَدِيقَةَ الْقَصْرِ الْجَمِيلَةَ الْمَلِيئَةَ بِالْوُرُودِ ؟
قَالَ الشَّابُّ : لَا ! !
فَسَأَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى : هَلْ شَاهَدْتَ مَكْتَبَةَ الْقَصْرِ وَمَا فِيهَا مِنْ كُتُبٍ قَيِّمَةٍ ؟
فَرَدَ الشَّابُّ : لَا ! !
فَكَرَّرَ الْحَكِيمُ سُؤَالَهُ : هَلْ رَأَيْتَ التُّحَفَ الرَّائِعَةَ بِنَوَاحِي الْقَصْرِ ؟ ؟
فَأَجَابَ الشَّابُّ : لَا ! !
فَسَأَلَهُ الْحَكِيمُ : لِمَاذَا ؟
فَرَدَ الشَّابُّ : لِأَنَّنِي لَمْ أَرْفَعْ عُيُونِي عَنْ مِلْعَقَةِ الزَّيْتِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْقُطَ مِنِّي . . فَلَمْ أَرِي شَيْءٌ مِمَّا حَوْلِي بِالْقَصْرِ ! !
فَقَالَ لَهُ الْحَكِيمُ :
ارْجِعْ وَشَاهِدْ كُلَّ مَا أَخْبَرْتُكَ عَنْهُ وَعُدْ إِلَيَّ .
فَفَعَلَ الشَّابُّ مِثْلَ مَا قَالَ الْحَكِيمُ وَشَاهَدَ كُلَّ هَذَا الْجَمَالِ وَرَجَعَ إِلَيْهِ .
فَسَأَلَهُ الْحَكِيمُ :
قُلْ لِي مَاذَا رَأَيْتَ ؟
فَانْطَلَقَ الشَّابُّ يَرْوِي مَا رَآهُ مِنْ جَمَالٍ وَهُوَ مُنْبَهِرٌ وَسَعِيدٌ .
فَنَظَرَ الْحَكِيمُ لِمِلْعَقَةِ الزَّيْتِ بِيَدِ الشَّابِّ فَوَجَدَ أَنَّ الزَّيْتَ سَقَطَ مِنْهَا .
فَقَالَ لَهُ الْحَكِيمُ :
انْظُرْ يَا بُنَيَّ . . هَذَا هُوَ سِرُّ السَّعَادَةِ .
فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا . . وَحَوْلَنَا الْكَثِيرُ مِنْ نِعَمِ رَبِّنَا لَنَا . وَلَكِنَّنَا نَغْفُلُ عَنْهَا وَلَا نَرَاهَا وَلَا نُقَدِّرُهَا لِإِنْشِغَالِنَا عَنْهَا بِهُمُومِنَا وَصَغَائِرِ مَا فِي الْحَيَاهِ .
اَلسَّعَادَةُ يَا بُنَيَّ أَنْ تُقَدِّرَ النِّعَمَ وَتَسْعَدَ بِهَا وَتَنْسَى مَا أَلَمَّ بِكَ مِنْ هُمُومٍ وَ مَشَاكِلَ مِثْلِ مِلْعَقَةِ الزَّيْتِ . . نَسِيتَهَا حِينَ إِلْتَفَتْ لِلنِّعَمِ مِنْ حَوْلِكَ فَسَقَطَ الزَّيْتُ ! !
أَحْيَانًا ، كُلُّ مَا نَحْتَاجُهُ هُوَ لَحْظَةُ تَأَمُّلٍ نُعِيدُ فِيهَا اكْتِشَافَ مَا لَدَيْنَا ، وَنَشْعُرُ بِقِيمَةِ النِّعَمِ الَّتِي تُحِيطُ بِنَا .

أَتَعَلَّمْ يَا جَارِي الْعَزِيزَ ، مَا رَأْيُكَ أَنْ نَقُومَ بِتَجْرِبَةٍ أَنَا وَأَنْتَ ؟
نَظَرَ إِلَيَّ بِاسْتِغْرَابٍ : - تَجْرِبَةٌ ! ! قُلْتُ لَهُ : - نَعَمْ نَعَمْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَدْرِيبَاتٍ تَعْدَادِيَّةٍ ، أَيْ بِمَعْنَى تَعْدَادَاتٍ لِتَحْفِيزِ الِامْتِنَانِ : -
مَثَلًا ،
١ . عَدَدُ ثَلَاثِ نَعَمْ مَوْجُودَةٌ حَوْلَكَ الْآنَ دُونَ أَنْ تَتَحَرَّكَ مِنْ مَكَانِكَ .
2 . عَدَدُ ثَلَاثِ نَعَمْ تَتَعَلَّقُ بِجَسَدِكَ .
3 . عَدَدُ نِعْمَتَيْنِ تَغَيَّرَتَا لِلْأَفْضَلِ فِي حَيَاتِكَ خِلَالَ الْعَامِ الْمَاضِي .
4 . عَدَدُ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ كُنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ لَكِنَّهَا أَصْبَحَتْ وَاقِعَكَ الْيَوْمَ .
5 . عَدَّدَ نِعْمَةً بَسِيطَةٍ تُكَرِّرُهَا كُلَّ يَوْمٍ ، وَقَرَّرَ أَنْ تَشْكُرَ اللَّهَ عَلَيْهَا بِصِدْقٍ فِي الْمَرَّةِ الْقَادِمَةِ .

جُرِّبُ أَنْ تُهْدِيَ نَفْسَكَ تَجْرِبَةً اسْتِثْنَائِيَّةً ، لِأَنَّ الشُّعُورَ الَّذِي سَتَعِيشُهُ بَعْدَهَا يَسْتَحِقُّ أَنْ تُحَاوِلَ .
وَعِنْدَمَا أَوْصَلْتُهُ إِلَى مَكَانِ عَمَلِهِ ، قُلْتُ لَهُ : -
أَنْتَ مُحَاطٌ بِالنِّعَمِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لَا تَدَعْ مَايَحْدُثُ خَارِجَ الْمَسَارِ أَوْ مُخَالِفٌ لِخُطَطِكَ يُشْعِرُكَ أَنَّكَ تَعِيسٌ اسْتَشْعِرْ بِالنِّعَمِ لِتَدُومَ ، الْحَمْدَلِلَّهِ .
بِالسَّلَامَةِ جَارٌ ، أَتَمَنَّى أَنِّي كُنْتُ ضَيْفًا خَفِيفًا عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا . .







تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع