في خطوة قد تحمل دلالات هامة على مستقبل الصراع في المنطقة، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال «هرتسي هاليفي»، أن الجيش قد أحرز تقدمًا كبيرًا على جبهتي لبنان وغزة. هذه التصريحات، التي جاءت في وقت حساس، تشير إلى تحول نوعي في مسار العمليات العسكرية ضد حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب، وسط توترات سياسية واقتصادية تعصف بالمنطقة.
في تصريحه، أعلن هاليفي أن "القيادة العليا لحزب الله قد تم القضاء عليها"، في إشارة إلى تحقيق إسرائيل هدفًا استراتيجيًا كان يُنظر إليه لسنوات على أنه بعيد المنال. ويأتي هذا بعد اغتيال قادة الحزب الذين طالما اعتمد على قيادته المركزية في توجيه العمليات العسكرية وضمان السيطرة الميدانية في جنوب لبنان.
لكن يبقى السؤال: هل يعني القضاء على القيادة أن الحرب في لبنان تقترب فعلاً من نهايتها؟ من الناحية العسكرية، قد يؤدي استهداف القيادة العليا إلى إضعاف التنسيق بين الفصائل المسلحة للحزب، لكن الحرب في لبنان ليست فقط معركة عسكرية. ففي ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد وتراجع الخدمات الأساسية، قد يجد «حزب الله» نفسه مضطرًا لتعزيز مواقعه الشعبية كبديل للدولة الغائبة، ما يعني أن الصراع قد ينتقل من ميدان القتال إلى ميادين السياسة والاجتماع.
لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، حيث وصلت معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة. وفي ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال مهم: هل سيستمر حزب الله في القتال وسط هذه الضغوط الاجتماعية، أم سيختار الانسحاب تدريجيًا من المشهد العسكري؟
في غزة، وصف هاليفي الضغط العسكري على القطاع بأنه "يقرب إسرائيل من إنجازات كبرى"، مركزًا على شمال القطاع، حيث تدور معارك حاسمة بين الجيش الإسرائيلي وحماس. الأهمية هنا تكمن في هدف الجيش المعلن وهو "هزيمة لواء شمال غزة"، الذي يعتبره المراقبون أحد أهم أذرع حماس العسكرية.
الجيش الإسرائيلي يضع عينه على سقوط «جباليا»، ويراهن على أن تكون نقطة انهيار لحماس. قد يبدو هذا توصيفًا مبالغًا فيه، لكن المحللين العسكريين يرون أن السيطرة على جباليا قد تكون بالفعل نقطة تحول في الحرب. المدينة ليست فقط مركزًا عسكريًا، بل تعد رمزًا مهمًا لقوة حماس، وسيؤدي فقدانها إلى دخول الحرب منعطفات أخرى.
لكن الواقع على الأرض يظهر أن الوضع في غزة أكثر تعقيدًا. فالقطاع، الذي يعاني من حصار خانق منذ سنوات، يشهد انهيارًا اقتصاديًا شبه كامل. معدلات البطالة في غزة تفوق 50%، والخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه والكهرباء، في حالة يرثى لها. رغم ذلك، يظل الدعم الشعبي لحماس متماسكًا إلى حد بعيد، وهو ما قد يجعل أي "انهيار" في الجبهة العسكرية مؤقتًا، إذ تعتمد الحركة على شبكة معقدة من الأنفاق والموارد المحلية التي تجعل القضاء عليها بالكامل أمرًا صعبًا.
ورغم حديث هرتسي هاليفي عن اقتراب الحسم، يبقى المستقبل غامضًا. الضغوط الداخلية في إسرائيل تتزايد، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو ما قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات أسرع نحو إنهاء الحرب. في المقابل، يبقى التوتر مع إيران هو الملف الأخطر، حيث أن أي ضربة قد تؤدي إلى تغيير جذري في مسار الصراع.
وفي ظل هذه الظروف، يستمر المدنيون في غزة ولبنان في دفع الثمن الأكبر، مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعدام الأفق لحل سياسي ينهي هذا الصراع المستمر.
يبدو أن تصريحات هرتسي هاليفي ليست فقط إعلانًا عن قرب الحسم في المعارك الحالية، بل هي بداية لمرحلة جديدة من الصراع الإقليمي. بين الضغوط الداخلية في إسرائيل، والتوترات المتصاعدة مع إيران، والموقف الأمريكي الحذر، تظل المنطقة على صفيح ساخن، حيث أن ما بعد الحرب قد يكون أكثر تعقيدًا من الحرب نفسها.