أوهمنا على مدى 20 عاماً أنه الزعيم الأوحد للأمة العربية ، والقادر على تدمير اسرائيل بكبسة زر على القاهر والظافر والناصر ، ولم نكن نعلم أنها صواريخ صدئة ، فمنذ أدخل والدي رحمه الله جهاز الراديو الى بيتنا عام 1956 ونحن لا نسمع إلا مضافة ابو محمود وإذاعة صوت العرب والمذيع أحمد سعيد وخطابات الزعيم الأهوج جمال عبد الناصر وهو يخطب ويردح ويكذب على شعوب الأمة العربية البسيطة ويشتم قادتها ويهزأ ويتندر بجلالة الملك الحسين ، ولم نكن نعرف حينها أن حذاء الحسين يفقه بالسياسة أكثر من حضرته ،، وكلما يعلن صوت العرب أن عبد الناصر سيلقي خطابا نبقى ملتصقين بالمذياع حتى ينهي خطابه المجلجل ، ولم نكن نعرف أنه رئيس ليس بسياسي ولا عسكري ولا إداري ، وقد خُدعنا بالأوسمة المعلقة على صدره حتى عرفنا متأخرين أنه السبب في خسارة العرب بكل الحروب التي خاضها ، والسبب بتدمير 80% من قدرات الجيش المصري ، فهو بغبائه وضعفه في السياسة والحرب خسر سيناء وتسبب بمقتل 40 ألف ضابط وجندي مصري في اليمن وأكثر من 100 ألف في سيناء وتدمير سلاح الطيران المصري بالكامل في حرب 1967 مع اسرائيل .
ومات هذا الطاغوت ، فأفجعنا موته بعد أن مزق العالم العربي بالانقلابات العسكرية ، وأنهك الجيش المصري في حرب اليمن التي قتل فيها 100 ألف يمني و40 ألف مصري بلا مقابل .
مات عبد الناصر الزعيم المناضل الملهم بعد أن جعل السخرية من العرب فناً.. وأصبحت الراقصات والمغنيات هنّ النجوم والكواكب ، وتوارى الأشراف ، وتغيب العقلاء ، واحتضرت الفضيلة ، ودفنت المبادئ ، وحوربت القيم ، وانتهكت الأعراض ، ونُصبت المشانق ، وأعدم العلماء .
ومن المواقف التي لا زلت فيها أضحك على حالي ، أنه عند موته شاركتُ بمسيرات السلط التي كان أهل المدينة عن بكرة أبيهم ينحبون ويلطمون عليه ، حتى ظنّ الناس جميعهم أن الأمة العربية لن تقوم لها قائمة من بعده .