أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
حزب الله: نفذنا هجوما على مقر عين مرغليوت "الجمارك" : لا صحة لمنع دخول السيارات الكهربائية ذات البطارية الصلبة للأردن الأردن .. 3 شبان ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء البرنامج الأممي الإنمائي: بناء غزة من جديد سيتطلب 200 سنة كميات الوقود الواصلة إلى مستشفى في شمال قطاع غزة "قليلة جدا وتكفي لأيام" الولايات المتحدة و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن المحتجزين مقابل وقف طويل لإطلاق النار بغزة ليبرمان: الحكومة تطلب تأجيل بحث قانون التجنيد الحوثي: عملياتنا العسكرية مستمرة ونسعى لتوسيعها تدريبات في مستشفى إسرائيلي تحت الأرض على مواجهة حزب الله الوطني لمكافحة الأوبئة: الأردن خال من أية إصابات بالملاريا بدء أعمال مشروع تأهيل طريق جرش-المفرق السبت وفاة 5 بحارة في غرق مركب شرق تونس الهلال الأحمر: لا توجد بيئة صالحة للحياة في قطاع غزة مقررة أممية: يجب معاقبة إسرائيل ومنع تصدير السلاح إليها مصر: الضغط على الفلسطينيين قرب حدودنا سيؤدي لتوتر العلاقات مع إسرائيل صحيفة عبرية: مسؤولون إسرائيليون يقرّون بالفشل في وقف تمويل “الأونروا” إصابة 11 عسكريا إسرائيليا في معارك غزة بحث التشغيل التجريبي للباص سريع التردد بين الزرقاء وعمان بدء صرف مساعدات لأيتام غزة بالتعاون بين التنمية الفلسطينية و الأردن لواء ناحال الصهيوني يغادر غزة
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة حروف مجنحة : اللهم علّمنا مما علّمت نوح

حروف مجنحة : اللهم علّمنا مما علّمت نوح

24-12-2010 11:36 PM

بلال حسن التل


تخصص اللواء صفحتها الأولى, من هذا العدد, لخبر وفاة شيخ العلماء, العلّامة نوح سلمان القضاة. لتؤذن في الأمة, أن مصابها بالعالم, اجّل من مصابها بأي شيء آخر. فكيف إذا كان المصاب بمثل نوح, علماً ووقاراً وتجرداً, وتأثيراً في الناس. بدليل هذه الألوف من البشر, الذين سدّوا الطرقات, قادمين من كل حدب وصوب للمشاركة في تشييع عالمهم, الذي أحبوه ووثقوا به, فتقاطروا إلى وداعه بهذه الكثافة, رغم قصر المدة بين لحظة الوفاة ولحظة الدفن. وعدم وصول خبر الوفاة للكثيرين من محبي ومريدي الشيخ, ولو كان في الوقت متسع فأنا على يقين بأن حجم المشيعين كان سيكون أضعاف ما كان عليه.


وعند هذه, أحب أن أتوقف, لأقول للساسة الذين يلهثون لنيل حب الجماهير, وينفقون في سبيل ذلك الملايين, ويسخّرون الأجهزة والوزارات والمؤسسات ليتقربوا من الناس ثم يخرجون بخفَّيْ حُنين, في أحسن الأحوال, وبغضب الجماهير وشتمها لهم في جلّ الأحوال. ان الطريق إلى قلوب الناس لا يكون من خلال الإعلام والمنافقين من الإعلاميين. فهذا هو الشيخ نوح الذي أدار ظهره للإعلام وهز كتفيه لجل الإعلاميين, يدخل قلوب الناس وينال حبهم, وثقتهم فيسلمون له قيادهم لا لشيء إلا لأنه كان صادقاً معهم, أميناً على دينهم, متواضعاً على علوّ مكانته بينهم عفَّ اللسان, طاهر السوية نظيف اليد والفرج زاهداً في الدنيا وما عليها. فتعلموا منه ومن سيرته تنالوا حبّ الناس ورضى ربهم.

رغم ضخامة العدد الذي شارك في تشييع الشيخ, فقد سادت المكان حالة من السكينة والطمأنينة, والخشوع العجيب أحسست معها بأن الجبال والشجر والطير ساجدة لله, وكأنها تودع حبيباً من أحباء الله الذين أحبهم الناس في الله, وأنا واحد منهم. فقد ربطتني بالشيخ نوح علاقة من نوع خاص, كانت تدخل الطمأنينة إلى قلبي, وتنير لي بصري وبصيرتي, وتدخل الفرح إلى قلبي. لعلّ من أكثرها تأثيرا في نفسي عندما جاءني صوته قويا مؤمناً واثقاً مطمئناً, عبر الهاتف عندما اتصلت به لأطمئن عليه, وهو في مشفاه في النمسا. ليقول لي يا بلال انك في خاطري وفكري منذ فجر هذا اليوم. وها أنا اسمع صوتك لأسألك الدعاء.

كان هذا القول للشيخ نوح وساماً أعلقه على صدري, فأن يذكرني العالم التقي الورع وهو في غربته على بعد آلاف الأميال, وعلى كثرة محبيه وتلاميذه ومريديه, فهذا دليل على ان لي في قلبه مكانة, كنت أحسها كلما اتصلت به هاتفياً أو زرته, وهذه جائزة كبرى نلتها وشهادة اعتز بها, وسأذكرها ما كتبت لي الحياة.


وإذا كان شيخ العلماء العلّامة نوح سلمان يذكرني في غربته, فان لي معه ومع الغربة حكاية وذكرى لا تمحى. فقد شاء القدر أن يتولى العلّامة الشيخ نوح غسل أبي وتكفينه والصلاة عليه, وقد كان كلاهما غريبين, مات أحدهما فكفنه الآخر وصلى عليه, بعد أن جمعتهما رحلة طويلة, من المحبة والاحترام والتوقير, وخدمة دعوة الله, ونشر دينه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة, التي أجادها نوح وتميز بها, فكان العالم الذي يجمع ولا يفرق. يلين حيث ينفع اللين, وينقلب أسداً هصوراً دفاعا عن حرمات الله ومحارمه, إذا لم تردع المعتدي عليها كلمة طيبة وموعظة حسنة.


يوم الأحد الماضي كانت الأمة تورى ثراها, عالما هو بقية طبقة, قلّ أمثالها في زمن الأمة أحوج ما تكون فيه, إلى العالم الذي ينير لها طريقها ويردها إلى الجادة, بعد أن تفرقت بها السبل, واستنسر البُغاث في أرضها. وصار فيها للنفاق دولة وللمنافقين صولة وجولة, ولأشباه العلماء فتوى مفصلة على قياس السلاطين. وهي الفتوى التي كانت عند نوح سلمان أداة من أدوات بناء وعي الأمة, وإرشادها إلى الطريق السليم, والذين يتابعون خطه ومنهجه في الفتوى, يلمسون ذلك لمس العين. ألم يجعل الفتوى في جيشنا المصطفوي سلاحاً لبناء الوعي الديني, الذي انعكس سلوكا لدى منتسبي هذا الجيش, الذي رفد حياتنا المدنية بالمئات من المؤهلين في مجال الفتوى والوعظ والإرشاد؟ لأن الشيخ نوح رباهم على منهج علمي سليم لم ينحَزْ فيه إلى هوى, أو إلى فئة دون فئة من هذه الفئات والأحزاب, التي ابتليت بها الأمة. فقد كان عليه رحمة الله ينحاز ويدعو ويربي على جوهر الإسلام, كما جاء في القراَن والسنة, وعلى نهج السلف الصالح من العلماء, الذين كانوا ملح الأرض, وهوية الأمة, وصمام أمانها, وهداة طريقها. لهذا كان كل المسلمين ومدارسهم الفكرية, يحسبون الرجل منهم ولهم, فقد كان رحمه الله صوفياً حقيقياً, الزهد ديدنه, والذكر عادته, وكان سلفياً لا يحيد عن الحق, ولا يساوم على نهج الصالحين.


ولأن الفتوى كانت عند نوح, أمانة ربانية, فانه لم يسخرها قط لخدمة مآرب دنيوية, وإصدارها حتى وان كانت مخالفة لتوجهات الحكومة. وفتواه في تحريم اتفاقية سيداو, ما زالت ماثلة في أذهاننا, لتقول لنا ان العالم الحقيقي لا يجامل الحكومات ولا يجاريها ولا يماليها.


وإذا كان من صفات شيخ العلماء العلّامة نوح سلمان, الذي ودعناه يوم الأحد, انه لا ينحاز إلى الهوى. فإن من أبرز صفاته أيضاً, عليه رحمة الله أنه رغم غزارة علمه, وثقة الناس به ومكانته في قلوبهم, ورفعة المناصب التي تولاها كان يزداد تواضعا مع الأيام. مثلما يزداد تقوى. وهذه من صفات العارف بالله. المؤمن بلحظة اللقاء والحساب, التي لم يكن شيئا يشغل بال الشيخ أكثر منها, ومن الاستعداد لها, والأخذ بأسباب الفوز فيها, نسأل الله له النجاة منها, وقد أفضى إليها الساعة, ولم يبقَ له من دنيانا إلا عمله الصالح وعلمه الذي ينتفع به والصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو له. فلندعو له جميعاً نحن محبيه وتلاميذه. ولنكثر من قراءة كتبه وبحوثه, التي تركها. فهي علم ينتفع به. وبهذا نكون قد وفينا الشيخ بعض حقه علينا وبعض دينه في رقابنا.


وإذا كان الإكثار من القراءة في كتب الشيخ وبحوثه وفاء لدينه في رقابنا. فإن من الوفاء لهذا الدين أيضاً, أن نسير على المنهج الذي سار عليه. فقد كان يرحمه الله رجل وحدة وتوحيد, لم ينحزْ أو يدعو يوماً دعوة فيها تفريق لدين الأمة وصفها. بل كان يبحث عن الجوامع فيدعو لها دون أن يفرط بثابت من ثوابت الدين. ولم يبادر يوماً إلى منازعة أو خصومة. وظل حتى في لحظات الشدة باسماً لا تفارق البسمة محياه السمح. فما بال أقوام يظنون ان التدين يعني الغلظة والعبوس والشدة على الناس, والصوت العالي؟ وما بال أقوام لم يصلوا إلى شيء من العلم, الذي وصله شيخنا فزاده علمه تواضعا, ودفعهم تعالمهم إلى التعالي على الناس, وتفريقهم وتصنيفهم إلى مؤمن وكافر. ناسين أو متناسين ان من كفَّر مسلماً فقد كفر.


وما بال أقوام يزعمون انهم على نهج السلف, يأكلون لحم اخوانهم في الدين. ويتهمونهم بدينهم وأعراضهم. ويأخذونهم بالشبهة بل وعن غير معرفة وبلا دليل؟ وهذا شيخنا نوح, لم يعرف عنه مجلس غيبة أو أخذاً بمظنة. بل كان يلتمس العذر لغيره, حتى وإن قصَّر. وتلك صفة المسلم, فما بالك بالعالم التقي الورع؟


ومن صنوف السير على نهج الشيخ, الإخلاص في العمل. فقد عرف الشيخ في كل المواقع التي تولاها بالإخلاص. ولذلك كان منتجا. وكان إنتاجه مميزاً ذا ديمومة. لأن من علّامة تجرد الشيخ انه كان يؤمن بالمؤسسية, ويرفض ربط الأشياء بشخصه, لأنه كان يعلم ان الأشخاص ذاهبون أما المؤسسات فباقية. لذلك فان بصماته ما زالت واضحة في كل المؤسسات التي تولى قيادتها. ونهجه ماضٍ فيها. رغم ان سنوات طويلة مرت على ابتعاده عنها. وعندي ان من المهم أن يتولى أحد تلاميذ الشيخ دراسة أخلاقياته وسلوكه في الوظيفة العامة لتكون مناراً لكل العاملين في سلك هذه الوظيفة.


يوم الأحد الماضي, لم نودع رجلاً, لكننا ودعنا علّامة هو بقية طبقة. نرجو الله أن يعوضنا عنها بخير منها. وان يلهمنا الصبر والسلوان.


ونحن نودع شيخ علمائنا نوح, الذي كان الصبر من أهم مزاياه, نقول اللهم ارزقنا الصبر من بعده. وعلّمنا مما علّمته إياه.





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع