أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
وزير الخارجية يجدد دعوته إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل الاحتلال يمنع مئات المسنين من الدخول للأقصى أسعار النفط تحقق مكاسب شهرية بأكثر من 7 بالمئة فيتو روسي ينهي مراقبة نووي كوريا الشمالية بلدية غزة تحذر من انتشار أمراض خطيرة بفعل القوارض والحشرات الضارة أسعار الذهب تسجل أفضل أداء شهري في 3 سنوات مؤشر نيكي يسجل أكبر مكاسب من حيث النقاط في السنة المالية أوكرانيا تعلن إسقاط 84 من أصل 99 صاروخا ومسيّرة أطلقتها روسيا تلاسن حاد بين نتنياهو وغانتس باجتماع حكومة الحرب وزارة الصحة في غزة: 7 مجازر إسرائيلية تسفر عن 71 شهيدا فلسطينيا خلال 24 ساعة زلزال الإسكندرية .. هزة ارتدادية من اليونان تفزع سكان عروس البحر المتوسط. الأسهم العالمية تسجل أفضل أداء لربع سنوي أول في 5 أعوام. منح ولاية ماريلاند 60 مليون دولار لإعادة بناء جسر بالتيمور المنهار الجيش الأمريكي يدمر 4 طائرات مسيّرة يمنية. الاقتصاد الرقمي تحجب 24 تطبيق نقل ذكي غير مرخص في الأردن انفجارات عنيفة في مواقع البنية التحتية بأنحاء أوكرانيا المقاومة شنت 70 هجوما على الاحتلال في مجمع الشفاء مسؤولة أممية تبحث مع مسؤولين اسرائيليين توسيع المساعدات الإنسانية إلى غزة تطورات حالة عدم الاستقرار الجوي والأمطار القادمة للمملكة اليوم الأغوار .. الركود يخيم على الأسواق و 50 % تراجع الحركة الشرائية
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة سيدي نوح القضاه: رجــل تبكيه الضمائــر

سيدي نوح القضاه: رجــل تبكيه الضمائــر

22-12-2010 10:32 PM

بقلم: جهاد صعيليك

اليوم حين يرحل هذا الرجل النوراني والعالم الرباني والمفتي النزيه والفقيه المستنير، العارف بالله وبقية السلف الصالح سيدي الشيخ نوح القضاة قدس الله سره وأضاء قبره وجعل الجنة مأواه في صحبة الأنبياء والشهداء والصالحين، فإن حقه علينا أن نستذكر بالخير أفعاله ومآثره الطيبة ودوره النبيل على مدار سنوات قيامه بالفتيا الرشيدة وخدمة البلاد والعباد عقودا عدة، كان فيها للناس كالأترجّة يعطّرهم بعلمه وخلقه وسيرته الحسنة ويدلهم على صالح دينهم وراشد دنياهم وقويم مسعاهم إلى الدار الآخرة، وحَسُنَتْ نُزُلا.

يرحمك الله يا سيدي الشيخ نوح وأنت تمضي إلى حيث صحبة النبي المصطفى صلوات الله عليه وسلامه، وأصحابه وإخوانه، تفارق الفانية وتلتحق بالباقية ... تشيعك إليها قلوب تلهج بالدعاء وعيون تفيض بالابتهال وأنفس وعقول تذكر الذكر الحسن وتدعو الله بما نشهد عليه من صلاح وتقوى وورع وترفع وخُلُق وسيما مؤمن قال عنها بعض المريدين: كنا نجلس إليه كأنما نجلس إلى صحابي.

ما أحوجنا اليوم، وأنت تمضي في هذه الطريق أن نستلهم دروسا وعظات بليغة من سيرتك ومسيرتك، كأن الله تعالى كتب لك أن تعلّم الناس في موتك كما علمتهم في حياتك.. ويا هنيئا لك الأجر في الحالين. كم نحن اليوم بحاجة أن نتمثل دروسك في الإدارة، والورع، والفتيا الراشدة، وفقه التيسير، والتواضع، أيما تواضع، في كبرياء العلم وزهد العالم.. ألم يقل عنك أحد مريديك: كنا نأتيه نتعلم على يديه، فيحدثنا برفق وحِلم وأناة .. كأنه تلميذنا!

وما أحوجنا اليوم أن نتعلم في مدرسة سيدي الشيخ الدكتور نوح القضاة في الخدمة العامة، والإفتاء الرشيد وفقه التيسير لا التعسير، وجوجلة الرأي الحصيف، ومقارعة التطرف والإسفاف والشطط والغلو، وتعميم الرشاد والحكمة والخُلُق الحسن، والترويج للتقوى وإخلاص العمل وقِيَمِ الإيمان المنتج؛ جولاتٌ وصولاتٌ مُذْ كان مفتيا عاما للجيش العربي الباسل؛ مصنع الرجال، فقاضيا للقضاة فسفيرا، ثم مفتيا عاما للديار الأردنية الهاشمية الميمونة.

لقد أعاد الشيخ الجليل، تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه، لموقع المفتي العام ووظيفة الإفتاء مهابة وموقعا يذكّر المخلص والحصيف والحريص بما كان للمفتي العام من موقعٍ أيامَ أشغله نخبةٌ من أكابر علمائنا الأجلاء أمثال المرحومين الشيخ عبدالله القلقيلي والشيخ محمد عبده هاشم. وله بعد الله فضلٌ كبيرٌ في تحويل دائرة إفتاء الجيش العربي إلى مؤسسة منتجة للعلماء والفقهاء، يكفي أن نذكر منهم، مثالاً لا حصراً؛ الشيخ محمود الشويات والمفتي العام الحالي الدكتور عبد الكريم الخصاونة والدكتور علي الفقير وزير الأوقاف الأسبق وغيرهم من الأفاضل.

وأحسب أن جامعاتِنا الأردنيةَ بمراكزها الثقافية، ودائرةَ الإفتاء العام وقد تسنّمها من بعد فقيدنا الكبير رجلٌ كريمُ المحتد حسن السيرة هو الشيخ الخصاونة، ودائرةَ إفتاء الجيش العربي وفيها الكثير من تلاميذه، ومؤسسةَ آل البيت؛ أوْلى الناس اليوم باستكشاف مدرسة الشيخ نوح القضاة في الفقه والفتيا، لذلك فإنني أدعو إلى تنظيم يوم علمي متخصص أو حلقة نقاشية لدراسة تجربته في الفقه الراشد والإفتاء في القضايا المستجدة والتيسير على الناس، ورعاية مصالحهم بما لا يتعارض مع أحكام الشرع الحنيف ومقاصده. ولعل ابرز ما ندعو إليه اليوم تفقيه المفتين والفقهاء بجزء من كنوز مدرسة الشيخ نوح في أن الفتيا إنما وجدت لتقرب الناس إلى دينهم، وتبسط أحكامه لهم، لا لتكون قيدا ثقيلا منفرا، وأن المفتي الذي ينفر الناس من دين الله إنما هو بوق للشيطان أعاذنا الله تعالى منه. وأن اصطبار الناس على الإيمان لا ينبغي أن يكون حجة لبعض من يتاجرون بالتشديد على الناس لغايات في نفوس يعاقبة كثر لا صلاح فيها.

ولعلها تكون فرصة لتوجيه بعض طلبة الدراسات العليا في الفقه وأصوله لدراسة متعمقة في مدرسة الفتيا عند الشيخ نوح، ولعلها تكون فرصة لمؤسسة آل البيت لإعادة طباعة مؤلفات سماحته في طبعة تذكارية خاصة تكريما له، ولعلها تكون مناسبة لمنح سماحته جائزة الدولة التقديرية في الآداب، أو في فرع مستحدث خاص بالعلوم الإسلامية أو إنشاء جائزة الشيخ نوح القضاة للدراسات الإسلامية.

ولعلها تكون فرصة أيضا للقائمين على موقعه الإلكتروني بإغناء الموقع ببرامجه التلفزيونية العديدة سواء في التلفزيون الأردني أو في قناة الإمارات، وهي متوفرة على الإنترنت، تنتظر يدا ماهرة تجمعها في مكان واحد.

لكن أكبر تكريم للشيخ نوح في رأيي سيكون أن تدرس الحكومة جديا مقترحه المتجدد بتأسيس مجلس أعلى للشؤون الدينية وبالأهداف النبيلة التي اقترحها فذلك تقدير من الحكومة والدولة لحرص الرجل على الشأن العام وعلى دور المؤسسة الدينية في نشر السماحة والخلق الحميد والتراحم والتآلف. وليس في ذلك تعارض مع دور وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء بل تتمة لدورهما النبيل.

لقد كانت له، رحمه الله، مدرسةٌ في الفقه والفتيا تستحق التوقف عندها لما لها من أهمية في فهم الدور الذي لعبه كمفتٍ في المسيرة الأردنية على مدار ما يزيد على خمسة عقود. حيث يقوم منهجه في الفتيا على اختيار الأيسر للناس والأقرب لتحقيق المصلحة العامة دون تفريط بمقتضى الشرع، مع احترام لخصوصية المجتمع وعاداته الحسنة. وينعكس هذا المنهج في كثير من فتاوى الشيخ الجليل الدكتور نوح القضاة، إذ تجد فيها جمعا ذكيا بين أحكام الشرع ومصالح الناس، كما أنني أسجل له مأثرة جميلة هو أنه لم يتعامل مع القانون الذي يخدم الناس من منظور الرفض والعدائية، كما يفعل بعض مفتي الأهواء الحزبية، بل وظّفه وقاس عليه وفقا لتحقيقه مصالح العباد والبلاد. 

وأضرب على ذلك مثلا فتواه الشهيرة إبّان عمله مديرا للإفتاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الفتوى التي حمت بإذن الله وفضله أرواحا كثيرة من الطيش والتهور، حيث أفتى، بارك الله في علمه وعمله، أن سائق السيارة الذي يُقتل في حادث سير نتيجة السرعة الزائدة، رغم العلم بتحديد السرعة القانونية، هو في حكم المنتحر. وهو الذي اعتبر أن السرعة القانونية ملزمةٌ فقها للسائق كما هي ملزمةٌ قانونا، لأنها تُحدَّدُ بناء على معايير السلامة والمصلحة العامة. وهي الفتوى التي أهديها اليوم إلى مدير إدارة السير في ديارنا الأردنية العامرة لعله يستفيد منها في حملته ضد طيش السواقين.

وما أحوجنا هنا إلى تعلم هذا الدرس المهم في التعامل مع أولويات الفتيا وضرورة تحقيقها للمصالح العامة، في الوقت الذي استمرأ فيه بعض الناس إصدار بياناتهم السياسية وأهوائهم الحزبية على شكل بيانات شرعية، ناسين أن الهوى الحزبي مقتلٌ للتقوى والفتوى معا.

لم يكن الشيخ نوح أول فقيه يختاره عاهلنا الراحل الملك الحسين، رحمه الله، سفيرا فقد سبقه الشنقيطي إلى ذلك وخلفه العموش، لكن خصوصية سفارته ممثلا الدولة الشريفية الهاشمية لدى دولة الولي الفقيه تحظى باهتمام كبير من لدن كثير من الدارسين. وكنا نتمنى لو أن سماحته تمكن من إلى الكتابة عن تلك التجربة من منظور غير سياسي ما يسمح للناس، سياسيين وغير سياسيين، بالاستفادة من رؤية عالِمٍ بقدره لإيران الحالية وواقعها وتركيبتها، والدروس التي يمكن لنا أن نتعلمها من حاضر إيران إيجابا أو سلبا. لكننا اليوم ندعو من اطلع على تجربة سماحته في السفارة عن قرب إلى توثيق هذه التجربة حفظا لها كحالة فريدة للدراسة والتوثيق.

وقد كان سماحته في تاريخه الثري على الدوام مترفعا عن الصغائر، لم يعرف عنه أحدٌ النزول إلى صراعات المناصب أو تنافس المشائخ أو الانشغال بالقضايا الفرعية، حتى أنه كان في مرحلة من المراحل إذا ألقى محاضرة عامة يحرص على تدقيق وتوثيق وتخريج كل حديث شريف يورده فيها، حتى لا ينشغل الناس عن الجوهر الأساسي للمحاضرة بتفاصيل هامشية؛ يتسلى بها البعض.

ويتذكر الذين أنعم الله عليهم بشرف الجلوس بين يديه في محاضراته العامة، ومن بينهم هذا المريد، أن محاضراته كانت دائما مَحجّاً للناس يتدافعون إليها تدافع الظمأى على نبعٍ عَذِبَة، وأشهدُ أنَّ الرجلَ كان، جزاه الله عنا وعن كل من تعلم على يديه خير الجزاء، غزيرَ العلم فيّاضَ القريحة حاضرَ الحُجَّة قويَّ الدَّليل، وقبل ذلك وبعدَهُ ماهرٌ، أيَّما مَهارةٍ، في إيصال مقالته للناس، وتيسيرها لغير المتعلم قبل المتعلم، ما فتح قلوب الناس له بفضل من الله وبركات لِما رأوا فيه من خصال العلماء الحميدة وتواضع الفقهاء المستنيرين وصدق الرجال الأوفياء.

أما وقد اختاره الله إلى جواره، في خير جوار وأحسن منزلة إن شاء الله، فلا يملك المرء إلا الدعاء أن يتغمده الله بواسع الرحمة وأن يحشره مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وأن يجزيه خير الجزاء عن كل من تعلم بين يديه، وعن كل من استضاء بالخير على يديه أو شرح الله صدره للهدى على يديه.. لقد كان نبعا فياضا بالخير، يستحق منا جميعا أن ندعو الله له بالرحمة والعفو والمغفرة والقبول في الأولى والآخرة.

وحين نعزي اليوم أهلنا وإخوتنا من أبناء الفقيد وعشيرته وأهل عجلون الابية، فإنما نعزي أنفسنا مثلما نعزيهم، ونواسي أنفسنا كما نواسيهم.. هم فقدوا أبا وقريبا، ونحن وإياهم فقدنا شيخا جليلا وعالما نبراسا.

رحمة الله عليك يا سيدي الشيخ نوح القضاة





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع