عمان 1 كانون الأول 2010
أحيانا يختار المرء مصيره مكرها، ليس لأنه يحبه، لكنه قد يكون الملاذ الذي يهرب إليه من ظلم ذوي القربى ومن يدعون أنهم يلهثون خلف إنصاف ذوي الحاجات.
كثير هي القضايا الإنسانية التي تُبكي دماً ممزوج بدمع يحرق مجراه كل ما يعترض طريقه، بل ربما لأنها تطفئ جذوة القلب المحترق المتأسف على حال الزمان الذي أدار ظهره لمن أراد العيش الكريم بعيدا عن السؤال والاستجداء واقتفاء أثر رجال جاءوا سلفا لخلف لا يرضى أبدا ضيم الدهر على أهل المحلة وذوي القربى و ممن لهم حق في الحصول على نصيب من زمان تلون وتقلب وأطاح بالضعاف بعيدا عن مسار مركبه.
لعلها مقدمة إنشائية يضجر بها من قرأ سطورها، بيد أنها جاءت في محل التذكير بتغير النفوس والأزمان وافتراسهما لكل حمل وديع، كان يمني النفس أن يلقى خبرا ودواء وقسطا من راحة قبل أن يغادر هذه الدنيا ممتشقاً ألآمه وحسراته.
أم يزن، والتي وافقتها المنية، من الهامات العاليات من أبناء الوطن، رضيت بأن تعيش على خبز متحجر وقليل من ماء وما قد تجود به أيدي كرماء ظلوا يحفظون عن ظهر قلب أن الله استخلف بني جلدتهم في الأرض ليحسنوا لمن قابلهم.
قصة تلك المرأة المكافحة كانت قد عرضت على تلفزيون "نورمينا" عبر برنامج " سوا بتهون" في شهر رمضان المبارك الماضي، فقد ارتأى القائمون على البرنامج والداعمون له إبراز تلك الحالات التي تعيش شقاءً وقلة حيلة وضيق ذات يد لعل الله يدفع بالمحسنين وأحفاد حاتم للوقوف والتأمل والتفكر ومن ثم إعادة النظر في مساهماتهم تجاه أبناء موطنهم، لكنها فضلت مغادرة الدنيا من دون إحداث جلبة، أو انتظار مد يد العون من كريم أو وزارة كانت الخطابات السامية تحثها على تتبع آثار تلك الحالات والإحسان لها ومتابعتها.
وفي هذا الموقف، يتساءل أحدهم، ألم ترى وزارة التنمية الاجتماعية ذلك البرنامج أو تلك السيدة الفقيدة وسعت لمعالجة حالتها واستشراء المرض والوهن في جسدها، ألم يكن لفقراء و معوزي الشونة شان أو حصة من الوقت الثمين لمعاليه أو معاليها للتأكد من صحة تلك الحالة التي عرضت جهارا نهارا على شاشة أحد أكثر القنوات المحلية متابعة، أم أنها فضلت أن ترتاح وتريح تلك الحرة من غدر الزمان متفضلة عليها بمساعدتها في انتقاء ملاذها.
ودعت هذه الدنيا كريمة عزيزة رافعة الرأس كبيرة الشأن، لم ترض الضيم ولم تنتظر من يدق بابها متجملاً متقمصا دور كريم أو محسن أقسم أمام الله ومن ثم جلالة سيد البلاد بان يحرص على الوقوف لجانب الضعيف والمظلوم ويأخذ بيده نحو حاجته.
أم أن تلك الوزارة والقائمون عليها يريدون توجيها ملكيا ساميا صباح كل يوم يدلهم على طريق أناس تكالبت السنون وأوجاعها عليهم حتى فضلوا الموت بدلا من انتظار ذلك الإحسان المتبوع بمن وتكبر من يشعر بأن يده هي العليا.
فضلت أم يزن أن تبقي يدها هي العليا، فقد اختارت لقاء وجه ربها صابرة محتسبة، مؤمنا بإنصاف العزيز الكريم.
رابط حلقة المرحومة أم يزن على اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=FnmgKOa4nDY&feature=related
د. نصير شاهر الحمود