يخبرنا طوفان الأنباء وسط لهيب النار والقتل والدمار الذي يجتاح العرب , أن الحرب السورية خلفت حتى اللحظة \\\" مليون طفل يتيم \\\" , والحبل على الجرار ! , يضاف إلى هذا العدد المهول , ملايين عديدة أخرى من أيتام حروب العرب على \\\" الكراسي \\\" , في العراق واليمن وليبيا والصومال والسودان , وحيثما يممت في أرض العرب ! .
نحن إذا بإنتظار جيل عربي كامل من اليتامى جرحى النفوس مكسوري الخواطر , ذليلي الشهامة ومائلي الجناح الناقمين على الحياة بمجملها , ومنهم , لا بل كلهم أطفال اليوم في \\\" عمر الورود ! \\\" شهدو مصارع الآباء والأمهات أمام عيونهم البريئة وبلا أدنى حد من رحمة أو شفقة أو قلوب تخشع أمام عظمة الطفولة , والأطفال أحباب الله جل جلاله , قبل أن يكونوا أحبابا لمن تركوهم ورحلوا عن هذه الدنيا الفانية ! .
حقا , إنه الذل بعينه , والحزن بشحمه ولحمه , والهوان المطبق على الناس , ومن غير الله يجبر مصاب وخواطر هؤلاء اليتامى الناقمين حتما على أمتهم وأوطانهم وكل حي متحرك وجماد في هذا الوجود ! .
براميل متفجرة , صواريخ مدمرة , قنابل ذكية , طائرات من كل لون ونوع , أسلحة فتاكة , سفن حربية عملاقة , كلها تقصف بلا تردد وبلا هوادة أرض العرب وسماء العرب وبحار العرب , والضحايا يتامى نيام , وأرامل وثكلى وفقراء ومشردون عرب لا طعم للنوم في أجفانهم ! , وكل يدرب عسكره على قتلنا ويجرب أسلحته فينا ! , لا بل و \\\" مجاهدون \\\" فينا يبغون الجنة بقتلنا وعلى أشلائنا ودمار وخراب ديارنا ! .
حروب \\\" الكراسي \\\" الهشة بين العرب , حطمت كل الكراسي على رؤوس شعوب العرب , وفتحت الأبواب مشرعة لكل ظلمة الأرض وهمل الكوكب للتدخل والمشاركة في تيتيم أطفال العرب , ولا تجد في دنيا العرب رجلا رشيدا يهمس ولو همسا بكلمة كفى ! .
أنهار وجداول سالت من دماء العرب خلال سبع عجاف حتى الآن , وأنهار مثلها سالت من دموع أطفال العرب ونساء العرب ورجال العرب , قهرا وذلا ويأسا وقلة حيلة وهوانا على الناس , فهل شهد تاريخ البشرية حزنا بحجم هذا الحزن الدامي المرير , على فقد الضنا , والأب المعيل العطوف , والأم الحنون وغيرهم كثير , ومن غير الله بقادر على أن يداوي جراح نفوس وأجساد يتامى العرب بعد حين ! .
إنها الدنيا الغرور , كل من تشبث بها وبزينتها وأموالها ومطامعها وكراسيها , لا بد يدفع الثمن دنيا وآخرة على حد سواء لقاء ما إقترفت يداه , ولكن , وأستغفر الله العظيم سلفا ودائما وأبدا , ما ذنب أطفال أبرياء تيتموا وسيكونون هم عرب الغد القريب بالضرورة ! , وكيف ستكون نظراتهم ومواقفهم حيال من يتموهم ودمروا حياتهم وحتى بيئة بلادهم لوثوها برائحة ومخلفات البارود التي تزكم روائحها أنوفهم إلى حين بعيد ! , وهل يعرف الكثرة الكاثرة موقع رقود الآباء والأمهات هذا إن وجدوا من يواريهم ثرى أوطانهم , ويا لها من أوطان ! .
فعلا , صار العرب جديرين بأن يحدد رحماء العالم إن بقي فيه رحماء , يوما خالدا للنحيب على قتلى وضحايا العرب , ويوما آخر للبكاء على مصائر يتامى العرب وقد قذفتهم الدنيا جثثا حية على شواطئها وصحاريها اليباس الموحشة , ومن أجدر من العرب بالنحيب على العرب , هذا إن ظل فيهم شيئا من مشاعر تصلح لأن تستيقظ من نومها حزنا وكمدا على يتامى العرب ! . لا يعرف ذل اليتم ووحشة اليتم إلا من كابد مرارته . يتامى حروب عرب اليوم , هم عرب الغد , فتخيلوا كيف هو الغد ! ! , ولا حول ولا قوة إلا بالله , وهو جل جلاله من وراء القصد .