جلسة قضامة لهذا الاسبوع بصحبة السيد إسحاق نيوتن بعنوان :
"المواطن الأردني والسقوط للأعلى"
أخبرني السيد نيوتن أنه عندما جلس ذات يوم تحت شجرة التفاح ، كان قد أعياه التفكير ، و أرهقه التأمل ..
طبعًا المسكين لم يحمد الله كما نفعل نحن إذّ أننا لا نُفكر ولا نُرهق أنفسنا على إعتبار أن التفكير مفسدة وعواقبه وخيمة وغير مجدية ، وقد يقود صاحبه إلى السجن ، فنحن لا سمح الله لو فكرنا في سبب تساقط ضمائر المسئولين تحت الأقدام لفهمنا أسباب هذا السقوط ، لكن بما أننا لا نفكر أساسًا و نكتفي في الغالب بترديد ( بعين الله ) فتستمر الضمائر في التساقط حتى ننهش في لحم بعضنا البعض ولاحقًا قد تقوم القرعى على أم قرون ..
ولكن وكما تسائل السيد نيوتن : لماذا تسقط التفاحة إلى الأسفل و لا تصعد إلى أعلى ؟ ألا يحق لنا أن نتسائل بدورنا : لماذا البعض هنا عندما يسقط أخلاقياً يصعد لأعلى في تحدٍ واضح لكل مباديء العلم والمنطق والدين والأخلاق ..؟!
.. أخبرني الأستاذ نيوتن أن التفسيراً الوحيد لهذه الحالة هو أن القاع في وطننا أصبح هو القمة ، أي أننا مجتمع مقلوب رأساً على عقب ..
الذي فهمته من حكاية نيوتن أنه كان يجلس تحت شجرة في أرض مشاع ، وهذا يعني أن الأرض التي زُرعت فيها شجرة التفاح لم تكن مُشيّكة ولم يكن على مدخل المزرعة لوحة (أملاك خاصة) ..
ولو أمعنّا النظر في تلك الحادثة مع الأستاذ نيوتن سنستنتج أن زراعة التفاح في ذلك الوقت لم تكن حِكراً على مزارعًا واحدًا في بلد نيوتن يحتكر فيه جميع التفاح ثم يبيعه بأعلى الأسعار كأنه تفاح الوالد ، وإلا لما حصل معه ما حصل ولما عرفنا علم السقوط بشقيه !
وعليه يُمكن القول أن نيوتن لو كان في الأردن فعلى الأغلب أنه سيُسجن ، وربما سيدفع غرامة مالية و يُشهّر به ، أولاً : لأنه تعدّى على أملاكٍ خاصة و ثانياً : لأنه أكل تفاحةً لم يدفع ثمنها في حين يكرّم صاحب المزرعة بمنحه المزيد من مزارع التفاح ..
إن قانون الجذب العام و قانون الطرد العام ، الذي جاء به نيوتن بسبب سقوط تفاحة ، يسري على كل شيء آخر ..
فمثلاً هنالك أوطان تطرد وأخرى تجذب .. وهنالك واقعاً يطرد ، و واقعاً يجذب .. هناك مجتمع يجذب وآخر يطرد .. و هكذاً حتى يتمزق المواطن بين الجذب و الطرد ..
و دائماً الوطن الذي يطرد أفراده هو الذي يطبق سياسات القطيع والتخلف و إنتشار الفساد ، ونجد على النقيض أن الوطن الذي يجذب هو الوطن المتحضّر الذي يحترم إنسانية الإنسان ..
سألت نيوتن لماذا لا يكون هذا الوطن عامل جذب لا عامل طرد ؟ طبعًا نيوتن صفن مطولاً ولم يجيب وبعد إلحاح مني قال : إنه يخشى محكمة أمن الدولة ..
ما علينا الذي فهمته من نيوتن أن الطرد لا يعني دائماً الإبعاد بالقوة أو النفي ، فأحياناً يكون بكامل إرادة المواطن ورضاه حين تضيق عليه فرص الحياة الطبيعية و تنعدم كل البدائل أمامه .. و الطرد لا يعني بالضرورة الإبعاد خارج البلاد إنما قد يعني الإبعاد إلى الداخل ، بمعنى الإهمال و التهمييش والإهانة وبالتالي يتحقق مفهوم الغربة حتى داخل الوطن ..
وكما قال أحد الفلاسفة لا يحضرني اسمه ولعله أحد أصدقاء نيوتن : "من يخسر كل مصادر سعادته لا يهمه في أي هُوَّة سقط" ..
وبناءً على ما تقدم وعندما يجد المرء نفسه وسط مجتمع يسير بالمقلوب ، وكل ساقطٍ فيه يسقط لأعلى ، وأنه إذا تمسك بالأخلاق والقِيم سيسقط لتحت ، حينها سيُصبح الهرب خيارًا أخيرًا والمتبقي الوحيد له وبمساعدة وسوسة شيطان الحكومة ..
شكرًا أستاذ نيوتن وحزين جدًا لأنني لن ألتقيك مجددًا