لقد قرأت الكثير من المقالات خلال الفترة الأخيرة والتي تنظر بتشائم إلى عودة الأردنيين من الخليج ، وتحديداً الجالية الأكبر التي تقطن السعودية . هذه النظرة تبدو منطقية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تعيشها الأردن ومن حولها مناطق النزاع الساخنة في عدد من الدول العربية ، وما رافقها من لجوء ضاعف مع معدلات نمو السكان إلى مستويات كبيرة جداً ، وسبب الكثير من الضغط على الموارد الاقتصادية المحدودة وزاد من تكاليف الحياة ومن الأعباء المالية التي تتحملها الحكومة في توفير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة ، وكل ذلك في ظل حكومة فشلت في معالجة أمور وقضايا كانت أقل من ذلك بكثير ، وسجلت قصور في معالجة الملف الاقتصادي بشكل خاص.
ورغم القدرة المحدودة للاقتصاد الأردني على استيعاب نواتج الظروف الاقتصادية ومخلفات الخطط والبرامج السياسية في دول أخرى ، إلا أننا لا نشك بأن هناك مواطن كثيرة في الاقتصاد غير مستغلة من قبل الأردنيين ، وإن كانت مستغلة بشكل أو بآخر من العمالة الوافدة في الأردن ، فالسوريين لوحدهم على سبيل المثال استطاعوا التكيف مع الظروف المحلية واستفادوا من فائض عرض العمل في قطاعات معينة ، وتمكنوا من الاندماج في سوق العمل بحوالي 200 ألف فرصة عمل ، وهذا في الوقت الذي سجلت فيه معدلات البطالة بين الأردنيين 18% وفقاً لآخر التقديرات الرسمية .
الدولة الأردنية تحتكر 99% من الأراضي وهذا مدعاة لإعادة التفكير بإعادة توزيع الأراضي الأميرية في المناطق البعيدة عن العاصمة عمان ، أو على الأقل بناء عقد شراكة مع الدولة في هذا المكان ، بحيث تستوجب الشراكة إمكانية استغلال الأرض واستصلاحها إما لأغراض الزراعة أو التصنيع ، ومؤسسات التمويل الصغير الحكومية والبنوك الإسلامية والتجارية المنتشرة ، تبحث بشكل كبير أيضاً عن فرص تمويل الأعمال الصغيرة المنتجة .
عودة العمالة الوافدة سيزيد من رصيد الموارد البشرية المتاحة في الدولة وعلى المدى القصير لأقل من سنة قد تظهر فعلاً مشكلة في سوق العمل ، ولكن على المديين القصير والمتوسط سيبدأ الاقتصاد بإدماج العائدين ، ولا أدل على ذلك من عودة 350 ألف أردني من الكويت عام 1994 إبان أزمة الخليج استطاعوا الاستثمار والعمل في الأردن ، وكانت الظروف أصعب ومحدودية الاقتصاد وخياراته أقل.
وبالفعل تشير المعلومات أن هناك ما يقرب من 55 ألف عائلة أردنية قد عادت بالفعل إلى الأردن ، ويتوقع أن يزداد العدد في السنتين القادمتين على أبعد تقدير.هذه العودة تعني بشكل أو بآخر إعادة تحريك المدخرات الشخصية التي تمتلكها هذه العمالة العائدة إما بمشاريع اقتصادية صغيرة منتجة ، أو بشراء عقارات من شقق وأراضي ، أو حتى الاستثمار في الأبناء بالتعليم والتدريب ، ناهيك عن الاستهلاك الشخصي ، بجانب الخبرات والمهارات التي اكتسبتها من العمل في الخليج ، وجميع ذلك يعتبر من العناصر المهمة التي تحفز النمو الاقتصادي في الدولة ، وما لذلك من آثار مهمة على إيرادات الدولة ، فالنمو السكاني عامل ضروري ومهم جداً لتطوير القاعدة الاقتصادية ولتوسيع حجم السوق ، وزيادة الإنتاج ، وزيادة الاستثمار.
طبعاً يجب أن يقابل ذلك تفكير فوري من قبل الحكومة على تبني خطط بديلة قادرة على توفير التسهيلات التي تحتاجها هذه الفئة من العمالة ، ومنها إصدار التشريعات المناسبة التي تضمن استغلال الأراضي الحكومية، والتخطيط لإنشاء مدن جديدة مكتملة البنى التحتية لاستيعاب السكان في مناطق جديدة من شأنها تخفيف الاكتظاظ السكاني في عمان والمناطق المحيطة بها ، وخلق استثمارات تنموية في أماكن أخرى.