نقرا كثيراً من المطالبات بتشكيل حكومة عسكرية في الأردن ..وخاصةً من المتقاعدين العسكريين
فهل الحكومة العسكرية أكثر كفاءة من الحكومات المدنية التي تتشكل ؟
وهل الحكومة العسكرية تملك خططاً إستراتيجية ولديها من الخبرة الكافية لإدارة الدولة ومؤسساتها بنجاح .
الذين يطالبون بتشكيل حكومة عسكرية هذا ناتج عن الخيبات التي عاشها المواطن من الحكومات المتتالية ،والتي ترتب عليها كثيراً من المشكلات السياسية، والاقتصادية ،والاجتماعية ،والارتفاع الفاحش للأسعار ، وتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ،والشعور بفقدان منظومة العدالة الاجتماعية ،وانتشار الفساد في كثير من مؤسسات الدولة ،وكثيرا من الهموم والمشاكل الداخلية والخارجية.
للأسف أن ما يعاني منه الوطن ليس ناتجا عن نقص الخبرات والكفاءات ،ما نعاني منه عدم وضع الرجل القيادي المناسب في المكان المناسب له ، والأمر الآخر لو توفرت شروط الكفاءة الحقيقية في القيادات التي تتبوأ أعلى المناصب في مؤسسات الدولة فهي ليست مخولة دائما في رسم استراتيجياتها والتنفيذ كما تشاء ، وأحيانا تقف الإمكانيات المادية حائلا دون تنفيذ الاستراتيجيات التي ترسمها الحكومة وتبقى حبرا على ورق بانتظار التمويل ،هذا في حال تحدثنا عن قيادات مؤهلة كفئة فما بالك عندما تتحدث عن الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب .
أكثر الدول فشلاً عبر التاريخ هي الدول التي تحكمها أو حكمتها المؤسسة العسكرية ،وخاصة الدول التي قامت فيها الانقلابات العسكرية وتحولت مع الوقت إلى دول مدنية تسمى ديمقراطية ، مثل نظام مبارك ،وعلي صالح،والقذافي ،وحافظ الأسد ،وعانت هذه الدول منذ عقود من الظلم، والقمع، والدكتاتورية، والأحكام العرفية ، وتفرد الرئيس بالسلطة ، وأصبح نظام الحكم عبارة عن عصابة تدير دولة ،أو بالأصح عصابة الرئيس وزمرته من الموالين لمؤسسة الفساد والذي أوصل تلك البلاد إلى الخراب والدمار كما نشاهد اليوم .
والانقلاب الذي قاده السيسي خير مثال على الفشل السياسي والاقتصادي الذي عصف بمصر بعد توليه السلطة وأصبحت الدولة على حافة الانهيار سياسياً واقتصادياً ،وفي حالة انتحار اجتماعي ولن يوفق زعيم عسكري بالخروج من هذا المستنقع إلا بخراب مصر ودمارها .
هل القيادة العسكرية مؤهلة للتحول إلى القيادة السياسية
الهوّة بين المؤسسة العسكرية والمدنية كبيرة جداً بكل تفصيلاتها ، فالعسكري في الوطن العربي من كل الرتب مُبعد كليّاً عن الانخراط في الثقافة السياسية المدنية ، ويمنع على العسكري التدخل في السياسة أو الحديث عنها ،أو الخوض فيها ،بل ويمنع من الكتابة في الصحف والمجلات ككاتب أو محلل ،ويحرم من المشاركة في العملية الانتخابية والإدلاء بصوته ،ويحرّم عليه الانتماء لأي حزب سياسي .
كما أن حياة العسكري من مختلف الرتب تقوم على السّمع والطاعة وتنفيذ الأوامر التي تُملى عليه بدون نقاش ، وما أن يصل العسكري إلى رتبة لواء أو فريق يصبح عمره بين الخمسين والستين إن لم يكن تجاوز هذا الحد ،وبالتالي فإن ما تم ذكره يصبح منغرسا في فكر هذا القيادي ويحتاج إلى سنوات طويلة من الانخراط في المجتمع للتخلص من الفكر العسكري والتحول إلى الفكر الديمقراطي القائم على الحوار، والنقاش، وقبول الفكر الآخر للتمكن من إدارة حكومة مدنية تعتمد على المشاركة الجماعية .
الأصل في الحكومة أن من يشكلها رجل مارس العمل السياسي والاجتماعي وعلى الأقل يحمل شهادات خبرة في الإدارة وهو على اطلاع بهموم الوطن والمواطن ،وممارس للعمل السياسي والدبلوماسي لأنه سيتعامل مع مشاكل الوطن الداخلية والخارجية، وعلاقات دولية متشابكة ،سياسية، واقتصادية ، وقادر على الخرج من الضغوطات السياسية ،وقادر على التعامل مع مشاكل الاستثمار ،وبناء علاقات واسعة لجلب الاستثمار ، ومحاربة الفساد وتفكيك منظومته بحكمة وخبرة ، هذه الأمور وغيرها هي غائبة عن الرجل العسكري أياً كان منصبه ورتبته والدورات التي حصل عليها أو الشهادات التي حصل عليها كالماجستير أو الدكتوراه أثناء خدمته ،لأنها لا تتناسب وطبيعة الحياة المدنية .
الدولة ليست بحاجة إلى رجل يمتلك قبضة أمنية من حديد ، الدول الحديثة بحاجة إلى رجل رشيد ، وان يعُطىَ صلاحيات واسعة في إدارة مؤسسات الوطن ،وان يتخذ القرارات بدون مرجعية حسب الصلاحيات المعطاة له بحكم الدستور لإدارة الدولة ،وان تقدم له كافة التسهيلات في كل خطوة يتقدم بها للنهوض بالوطن ،وان يتم اختيار فريق وزاري مؤهلاً كلٌ حسب اختصاصه، وتقدم الحكومة للوزارات كل ما يتطلب النهوض بكوادرها من إمكانات مالية أو خبرات إدارية للنهوض بها .
المطالبة بحكومة عسكرية هي خطوة إلى الوراء ولن تحل المشاكل العالقة ،بل ستزيد الأمور تعقيداً ومن أراد أن يستشهد بوصفي التل رحمه الله ،تلك حقبة من الزمن لها مالها من ظروف تختلف اختلافا كليا عن اليوم ،فكل شيء تغير تغيراً كاملاً ،الظروف الداخلية والخارجية ،والأحداث الدولية ،والظروف الاقتصادية ،والهيمنة الدولية .
كل ما نحتاجه حكومة ديمقراطية صاحبة قرار لها صلاحيات واسعة ،وفريق وزاري كفؤ ،ودون التأثر على عمل الحكومة من الداخل ،أو الاستجابة للضغوطات الخارجية المفروضة سياسياً أو اقتصادياً ،ولكن بعد الوضع السياسي والاقتصادي الذي وصلنا إليه، والتدهور الأمني الخارجي الملتهب أصبح من الصعب على أي حكومة أن تستقل بقراراتها وتضع خطط إستراتيجية مستقلة للخروج من هذا النفق المظلم ،سواء حكومة مدنية أو عسكرية لأن جميع الظروف تغيّرت على كل دول العالم ،والتعامل معها يحتاج إلى رجل قادر أن يسير بعكس التيار بعقليه منفتحة سياسياً واقتصادياً يمتلك من الفكر والحكمة والحنكة القادر على خوض الحرب السياسية والاقتصادية والإدارية على كافة الجهات بوقت واحد .