أنْ تَلتَحمَ غيمتان خجولتانِ في الأُفق، فتَبرقُ الأرضُ بلونِ الحِنطةِ والشَعير.
أنْ تَرقُبَ الطيرَ من بَعيدٍ يُعَلِقُ في فمهِ خُبزٍ من السماء ويُحضرُ بين جناحيه تباريح شوقٍ ممن ماتوا ورَحلوا.
أنْ تَعدو لاهثاً بثيابك المهترئة القديمة صَوبَ حُدود أهلكَ مُحملاً بحُزنٍ تُريدُ أن تحوله لفرحٍ حينما تَدبُ قدماك على أول ذرة من تُراب الأرض المطروشةِ برائحة الطابونِ والزيتِ.
أنْ تَقولَ للأشياءِ: كفاكِ جموداً، كفاكِ جحوداً هُناكَ يُوجَدُ أميالٌ مِن السَعدِ قد وطأت أقدام جَدي عليها فاستبشري.
أنْ تُمسكَ بيديكَ المضرجتين بترابِ الأرضِ زَهرة سوسن فتظنها قطعةً من جَنةٍ فتباركُ بها نَفسكَ وأولادكَ ومدخلُ بيتك وإبريقُ شايك المتواضعِ على الحطبِ.
أنْ تُحركَ كُلَ الأشياءِ الراكدةِ كي تَقوم، لتترتب في مكانها، لتصنع لوحاتٍ يغلبها لون الأرجوان القاني ( لونُ الدماء وبراءة الشهداءِ وعَظمتهم) أنْ تَطلبُ من الأزهارِ أن تتفتح قبل موعدها في الشتاءِ لأجلِ زَهو المكانِ و زَهو التاريخ و زَهو ما قد يَكون بعد حينٍ.
أنْ تَجلسَ النساءُ على عَتبات بيتوهن يَشربن قهوة الصباحِ مع صفائح النور المنبثقِ من شَمسٍ أطلت على أرضنا كما لا تُطلُ على أرضٍ وكما لا تَكونُ في مَكانٍ آخر كما هي فَوق ديارنا.
أنْ يَحملَ الزَرعُ والحصيدُ دمعاتٍ قد تجولُ في جَفنكَ إذ ما جارت عليك الأيامُ.
أنْ يفيقَ القيصومُ مِن غفوته ليثيرَ في الأرضِ إخضراراً يشي بموسم فرح طوال العام.
أنْ نَظلَ نسألُ دائماً عن من إرتقوا بعنفوانهم في حربٍ أو ذهبوا إلى حتفهم وهم زارعون من خير الأرض على خدهم حبات ليمون فتركوا وراءهم جيلاً يتحسس خطوات الوطن وصهيله بروحهم، يحفظون لهجة أهلهم، يعرفون أسماء عساكر وجنود قد غناهم المجدُ فتعالى المجدُ على أجسادهم في غنائهم ولا أقولُ رثائهم فأصبح المَجدُ يُعرفُ بهم.
هُوَ عُكاز الأجداد.
دَهشةُ العُشاقِ.
وسهادُ الليل في الغربة.
خَلجاتُ القلب المُحبة.
هُوَ بداية الوجود.
هُوَ فِكرةُ الخلود. ( هو الوطن)