كلما هرب الناس الى أخذ استراحة،من مسلسل الأخبار،الذي لا تنتهي فيه مشاهد الإنهزام العربي،والتمزق الإسلامي.
وكلما تعلَّلت الأنفس أن الفجر يأتي بعد سوادٍ حالكٍ،وأن الظُّلمة لا تدوم بما أن شمسا خلف هذا الليل الحالك تتأهب للظهور.
وكلما حاول الناس نسيان بلاء الفساد، ونهب الثروات جهاراً، اوالارتماء في حضن العدو الحاقد،فأسهبوا بطرح احتمالات ترقق هول البلاء لتجعله "روتينا" قد اعتدنا عليه.
وكلما فر الناس من هذا كله الى الخلوات والانزواء،وتجمعوا في أحاديثِ لَغو،ٍعن الطقس وأسهل الأساليب لإنقاص الوزن،وأفضل الشركات لأداء العمرة،وآخر ما رأوه وقرأوه من اللَّغو في مواقع التواصل،عاجلهم خبرٌ لا ينتمي للدَّم، ولا للقصف، أوالتَّفاهة واللغو.
مَحْضُ شيءٍ مُقَزِّزٍ،يعيد مساحة الأمل -المعقود على نهوض وعي هذه الأمة في الغيب- الى الصفر،ويقلص كل تفاؤل بشباب،يراهم قد تشربوا كل ما ينسخ عنهم هويتهم، ويرسلهم إلى حضيض البهائم التي تنساق الى نزواتها غير عابئة بمن يراقبها،ويطلع على عوراتها.
وتمتلئ الأنفس المكلومة غيظاً،ويحتار اللبيب الحرُّ، على أي وجه سيقلب خبر قدوم مطرب هائم على وجهه ولا يملك إلا الصَّدْحَ بتُرَّهاتِ شُعراءِ الرَّكاكة،فَيُرَجِّعُها بصوتٍ تَشَبَّعَ بالرَّطانَةِ والتَّخنث!!!
يتحيَّر المرْءُ،كيف تستقبل أمَّةٍ- تتلقى كل هذا البؤس-مجرَّد مطربٍ كهذا ويتكدسون في المطار لاستقباله،وكيف تندس فتيات في كومة من الذُّكور ليعتصروا عفَّتَهُنَ،وإن رأينه أكبرنه، فتَذْهَلُ إحداهن عن كل الأيدي التي تعبث في جسمها، وتستحل حصانتها، وكل ما يشغلها أن تُحْرِزَ قُبْلَةً أو احتضانا مليئا بالشبق البهيمي،لهذا الهائم،ولا تعبؤ أبدا بما سينقل عنها مصوراً، لأن مفردات (الحياءِ والعفة والشرف والكرامة)كل هذا أصبح مضحكاً، ومثارا للتندر وإطلاق النكات.
لم يعد القابض على دينه كالقابض على الجمر فقط ،بل حتى إن القابض على إبقاء وعيه طاهراً ،والقابض على بقايا الكرامة والشرف،والقابض على نصاعة الفكر والأخلاق أيضا كالقابض على جمر يلتهب.