بقلم الدكتور فايز أبو حميدان
قبل مائة عام كانت نسبة الأعمار لا تتجاوز 50 عاماً ، وذلك لأن أمراض مثل السل والكوليرا والأمراض التناسلية كالزهري كانت هي القاتل الأول للإنسان ، وكان الموت يأتي فجأة ويحصد أعداد كبيرة من الناس وبسرعة فائقة ، ومع بدء الحرب العالمية الأولى ازداد عدد الضحايا بسبب الالتهابات الناتجة عن الجروح إلى أن استطاع الطبيب البريطاني الكسندر فلمنج " Alexander Fleming " اكتشاف أول مضاد حيوي بمحض الصدفة والذي يدعى البنسلين ، وكوفئ لهذا الاكتشاف بجائزة نوبل للطب عام 1945 وبهذا العلاج استطاع الأطباء انقـــاذ حياة الملايين من الناس.
ولكن فليمنغ حذر منذ 70 عاماً أن سوء استخدام هذا العقار قد يؤدي إلى نشوء مناعة لدى الجراثيم بحيث لا يستطيع الطب علاج بعض الأمراض مهما كانت كمية البنسلين المعطاة للمريض ، والآن تأكدت صحة هذا الاعتقاد فعشوائية إعطاء المضادات الحيوية وسهولة الحصول عليها وعدم الانتظام في أخذها وكثرة استخدامها في علاج الحيوانات والنباتات ودخولها السلسلة الغذائية ، ساهم بدوره في تفاقم خطر تطور المناعة لدى الجراثيم .
بل أثبتت بعض الدراسات العلمية الحديثة بأن 50% من الناس لا يدركون حقيقة " أن المضادات الحيوية لا فائدة ولا تأثير لها في مقاومة الالتهابات الفيروسية " ، كما وبينت هذه الدراسة أن 30% من المرضى يحصلون على مضادات حيوية و هم في الواقع ليسوا بحاجة إليها ، ويتم شفائهم بها أو بدونها .
ولكن السؤال الذي يتوجب طرحه هنا هو كيف تنشأ المناعة عند الجراثيم ؟
هناك مبدأ حياتي شائع ومعروف لدينا جميعاً مفاده ان من يستطيع التكيف مع الحياة تزداد فرص العيش لديه و هذا المبدأ يدعى ( البقاء للأصلح - Survival of the fittest) والذي ينطبق على كافة الكائنات ابتداءً من الجرثومة مروراً بالإنسان و وصولاً إلى الفيل .
فعلى الرغم من أن هدفنا من تناول المضادات الحيوية هو القضاء على جميع الجراثيم التي تسببت في حدوث المرض ، إلا أن ما يحدث هو بقاء بعضها على قيد الحياة دون مفعول مرضي وهذه هي المعضلة الحقيقية ، فهذه الجراثيم تقوم مع الزمن بتغيير صفاتها الوراثية بحيث يصبح باستطاعتها مقاومة السم المقدم لها وهو المضاد الحيوي .
بل ان المضاد الحيوي قد يكون له منفعة غير مباشرة لهذه الجراثيم ، حيث انه قد يقتل أعدائها في الجسم ويساعد على تكاثرها فيه ، بل ويصبح انتقالها بين الدول والقارات سهل وسريع .
ولكن الخطر الأكبر يكمُن في انتعاش هذه الجراثيم في المستشفيات ، فعلى الرغم من أن نسبة الالتهابات القادمة من المستشفيات تعد ضئيلة جداً وتقل نسبتها عن 1% ، إلا أن جراثيم المستشفيات التي تملك مناعة تكون فتاكـــة أكثر من غيرها وهي ما تسمى بكتيريا MRSA ، كما ويوجد نوع جديد من الجراثيم التي إلى جانب المناعة تستطيع انتاج انزيمات تبطل مفعول المضادات الحيوية فهي لا تقاوم المضادات الحيوية فحسب بل توقف مفعولها.
فما ورد يتطلب منا توخي الحيطة والحذر الشديد عند تناول هذه المضادات ، على ان يتم إعطائها للمريض في الوقت المناسب ووفقاً لما يتطلب وضعه الصحي وحسب تعليمات الطبيب المعالج ، كما يجب على المريض الالتزام بتعليمات الطبيب وعدم الإسراف الخاطئ في استخدامهادون موافقته ودون رقيب ، وعلى الصيدليات أيضاً عدم بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية .