الفساد في الأجهزة الحكومية ظاهرة ملعونة ولكنها أضحت مألوفة يتحدث بها القاصي والداني والموظف والمراجع وكل يدلي بدلوه بما يسمع ويرى عن ترهل إداري ونزيف في المال العام أورثنا ما أورثنا من مديونية ووضع مالي واقتصادي على وشك الانهيار وتآكل في مدخرات المواطنين وارتفاع غير مسبوق في مستويات الفقر والبطالة.
والجامعات الحكومية ليست بمنأى عن هذه الأوضاع وعن استشراء الفساد بأشكال وطرق تسيء إلى سمعة مؤسساتنا الأكاديمية وتنزع ليس ثقة العاملين فيها بل وثقة طلابها وثقة المجتمع بشكل عام.
والمؤسف أن قيادات بعض هذه الجامعات تمارس الفساد والمحسوبية في شتى مناحي العمل الأكاديمي والإداري دون أن تدع عليها أي ممسك قانوني أو ثغرة يترتب عليهم فيها أي مسؤولية إدارية أو قانونية.
بعض الرؤساء يعينون ذويهم وأصدقائهم في مواقع هم غير مؤهلين لها وآحرين يقومون بتعيين العمداء في جامعاتهم على أسس إقليمية وتكاد تكون جل المواقع القيادية في إحدى الجامعات الأردنية الرسمية من الإقليم الجغرافي الذي ينتمي إليه الرئيس ويقومون مثل هؤلاء الرؤساء البؤساء بهذه الممارسات دون وجل .
بعض الرؤساء المعينون حديثا ووفق معايير جدارة زائفة يوعدون العاملين في الجامعات بإنجازات وهمية مزعومة خلال عام واحد من تقلدهم لمواقعهم بعد تفصيل معايير الاختيار على مقاسهم والملفت للنظر أنهم يدعون بأنهم سيستقيلون من رئاستهم لجامعاتهم بعد عام واحد إذا لم يحدثوا فروقا ملموسة في أداء الجامعات متناسين أن الجامعات منظمات عملاقة حجم كل كلية فيها يعادل ضعف حجم أي وزارة أردنية ما عدا وزارتي الصحة والتربية والتعليم. غ
غريب كيف يقوم رئيس جامعة بإطلاق تصريحات متسرعة ومتعجلة وغير مدروسة وهو يعلم أن الجامعات وإدارتها مكبلة بقوانين التعليم العالي وقانون الجامعات وأنظمة متعددة تجعل من إمكانية التغيير في سنة واحدة إمكانية مستحيلة لا بل قد يحتاج الرئيس إلى دورتين متتاليتين(ثماني سنوات) وبالكاد يستطيع أن يترك بصمات إيجابية ونتائج بادية للعيان على مستوى أداء الجامعة التعليمي والإداري.
نحن على أية حال ننتظر بشغف بالغ انتهاء العام الأول من عهد الرئيس الفذ لنحاسبه على تغييره السحري والفروق الجوهرية الموهومة التي سيحدثها في جامعته التي لعبت الأجهزة الأمنية وبعض المتنفذين من الحرس القديم في التعليم العالي دورا محوريا في الإطاحة برئيسها السابق وترتيب المعايير لتعيين رئيسها الحالي.
نعم نتساءل هنا ما دور مجالس الأمناء في الرقابة على ممارسات رؤساء الجامعات وسفرهم ومياوماتهم وسياساتهم وتعييناتهم وبطرهم وتعسفهم وتجبرهم بالعاملين.كيف يمكن تفسير أن رئيس جامعة لم يمضي على تعيينه عشرون يوما يسافر خلالها سفرتين خارج الأردن وعلى وشك أن يسافر سفرتين أخريتين خلال الأسابيع الثلاثة القادمة؟
عجبا أن ترى أن رؤساء مجالس الأمناء لا يحركون ساكنا لا بل يتنطعون للدفاع المستميت عن رؤساء جامعات أدائهم فقير ولم يتركوا أي بصمات تذكر على تطور جامعاتهم.
مجالس أمناء الجامعات الأردنية قصة فشل واضح ولم نسمع بأن هذه المجالس استطاعت أن ترفد موازنة الجامعة بقرش واحد من خلال علاقات رؤساء المجالس وأعضائها والحقيقة أن هذه المجالس مكلفة وتشكل عبئا على الجامعة من خلال المقاعد الجامعية لأبناء الأعضاء ورئيس الجامعة يلبي رغبات رئيس وأعضاء مجلس الأمناء بالتعيينات وقبول الطلاب لدرجة أن بعض رؤساء مجالس الأمناء لهم قوائم قبول طلبة مثل قوائم الديوان الملكي ناهيك عن تأثير رؤساء المجالس في التعيينات في داخل الجامعة لأصحابهم وذويهم.
تجربة مجالس أمناء الجامعات بحاجة إلى إعادة تقييم ومراجعة حيث لا نرى استثمارا في خبرات هذه المجالس ولا يسأل رؤسائها وأعضائها في قضايا تطوير التعليم العالي وليس أدل على ذلك من اعتذار بعض الشخصيات الأكاديمية المحترمة عن رئاسة مجالس أمناء الجامعات الرسمية لا بل فقد استقال بعضهم حيث لم يستطعوا الاستمرار في ظل غياب دعم الجامعات وتجاهل خبرات مجالسها عند إعادة ترتيب أوضاع التعليم العالي في المملكة.
أباطرة الفساد في الجامعات الأردنية الرسمية لا يقتصرون على الرؤساء بل يشملون نواب الرؤساء والعمداء وبعض المدراء حيث أن الرئيس عادة يأتي بالأشخاص الذين لا يألون جهدا في مدح الرئيس والثناء على عبقريته المزعومة وكل منهم يشكل صورة مصغرة لرئيسه في دائرته ووحدته .
فأحد العمداء على سبيل المثال يرجوا الرئيس الجديد الذي يريد إلغاء قرار سابق لمجلس العمداء في عهد الرئيس السابق يرجوه بأن يؤجل ذلك لفترة معينه حتى لا يخسر العمداء ماء الوجه أمام زملائهم؟
أي ماء وجه بقي بعد أن أصبح هؤلاء العمداء ونواب الرئيس أدوات لإخراج ما يريد ملك الجامعة يزينون له ما يحبون ويختمون على قراراته ويترجمون رغباته؟ مريع ما ترى من نفاق وتلون وتزلف وانعطاف في المواقف عند استلام رئيس جديد للجامعة من قيادات الرئيس المنتهية ولايته ؟
حقا إنه شيء يثير الشفقة والحزن للمدى الذي وصلت إليه الأمور في جامعاتنا المنهارة مالية والمترهلة إداريا والمتراجعة أكاديميا والتي لا تعير مجالس أمنائها بالا لما يدور في أروقة هذه الجامعات .
مجالس الأمناء ،رؤساء وأعضاء، أصبحت عبئا ثقيلا على الجامعات وهي لا تفعل خيرا كثيرا لها لا بل أصبحت مجالس الأمناء نفسها إحدى أدوات الفساد والإفساد في المؤسسات التي اؤتمنت عليها.
لم تعد هناك جهة في الأردن نناشدها بالاهتمام بالجامعات فقد ناشدنا الملك والحكومة والنواب ولم نرى جديدا لغاية الآن إلا الكلام والفساد ينتشر في الجامعات وطواغيت الفساد مستمرين في غيهم بلا رقيب ولا حسيب ولا يسعنا إلا أن نقول طلعت ريحتكم ...