ابغض كلمة الارهاب ، لأنها موجعة وتقض المضاجع ، ورأيت أن استبدل تلك الكلمة بثقافة الموت ، علّها تكون اهون واخف وقعا على الصدور ، تلك الثقافة التي ما زالت تحاصر العرب من كل حدب وصوب ، من اليمن وليبيا الى العراق وسوريا ، وما مصر والجزائر بعيدتان عن هذه الثقافة ، ونأمل أن لا تنتشر وتمتد في تونس ، ثقافة اصابت تفكيرنا بالعجز واليأس والاحباط ، وكأن العقل العربي ينقصه زيادة في الشلل العقلي وعدم القدرة على استخدامه ، وصار لزاما ايجاد مخرج لهذه الثقافة المتفشية في الاوساط الشبابية العربية ، بعد أن تاهت الرؤى وتبعثرت الاهداف ، لدى كل من يمارس هذه الثقافة او يفكر باعتناقها
هل هو قدر الشباب وربما المراهقين أن يتعايشوا مع هذه الثقافة البائسة التي تلفظ الحياة ، وهل عَجِز العقل العربي على انتاج ثقافة بديلة ، تقوم على حق الجميع بالحياة على أسس العدل والمساواة وكرامة الانسان ، واعطاءه حقوقه في كل المجالات مثلما عليه واجبات ، وهل حرق الكتب ومنعها من دخول البلاد ومراقبة المساجد والداخلين اليها والخارجين منها ، سيضع حدا لهذه الثقافة ، مع يقيني المطلق بان المساجد ليس لها علاقة بانتاج ثقافة الموت او حتى ارهابيا واحدا ، وهل عجزت الدول العربية والمسؤولين فيها بالاضافة الى كوكبة السياسيين والمفكرين والعلماء والمثقفين العرب ، من وضع بدائل يستدل عليها الشباب والمراهقين ويقضوا اوقاتهم معها ، وتكون معينا لهم وخير مرشدا ، هي اسئلة كثيرة تجول في خاطر كل من ينبذ ثقافة سائدة لا تنتج إلا الموت والخراب والتدمير .
لا شك في إن المعالجات الامنية ومراقبة افواه الناس وتكميمها ، قد فشلت في وضع حد لهذه الثقافة ، ومع ضرورة استمرار التيقظ الامني ولا اقول التضييق على حرية الرأي للحد من تمدد ثقافة الموت ، لا بد من العمل المخلص لتلمس الطريق الصحيح للخروج من مأزق هذه الثقافة ، لا بد من تغييرها واستبدالها بثقافة الحياة والتمسك بها وعيشها بحب ومودة وسلام ، ما استطعنا الى ذلك سبيلا ، من خلال زراعة انماط فكرية وسلوكيات مختلفة تصب في النهاية لخدمة الوطن والانسان ، وكلما عملنا صعودا لصالح ثقافة التنوير ، كلما سادت ثقافة التسامح والتعاضد واحترام الرأي والرأي الآخر ، وكلما توقفنا عن تكميم الافواه والاعتقال والزج بالسجون لمجرد رأي قيل هنا وهناك ، كلما زاد الاعتزاز بالوطن والغيرة عليه وافتداءه ، وكلما اعدنا للانسان كرامتة وبسطنا العدل وفرضنا القانون فوق الجميع ، كلما زاد الانخراط في بناء الوطن واعلاء شأنه
إن انتاج تقافة الموت وتمددها هي مسؤولية الجميع ، وهي لا تقف عند طرف دون آخر ، بدءا بالانظمة واجهزتها الامنية التي تصادر انسانية الانسان وكرامته ، وتمنع عنه حقوقه بينما تطالبه بالواجبات ، مرورا بأولئك الذين يحتكرون الدين لأنفسهم ويلوحون بالجهاد في غير مكانه ، ويُحرّمونه على أبنائهم ، وانتهاء بالبيت والأسرة التي يقع عليها مسؤولية مراقبة فكر ابنائهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم ، وفتح الآفاق لابداعاتهم الانسانية
إن القضية الأهم ونحن نتصدى لهذه الثقافة الهمجية ، هي انتاج ثقافة مكان ثقافة ، وهي قضية لا تعد ترفا ولا ترويحا عن النفس ، بل أن من صميم المعالجة حق الناس بالكرامة والأمن الوطني والاجتماعي ، والسلام والاستقرار السياسي والاقتصادي ، والانتباه الى مستويات الأمية المتفشية ، وكذلك الفقر والبطالة التي تعاني منها غالبية الشعوب العربية ، وهو الأمر الذي يجب أن نوليه الأهمية القصوى ، اذا اردنا أن نحد من ثقافة قضّت مضاجعنا وروعت نفوسنا ، ونقف سدا منيعا في وجه انتشارها والمروجين لها ، كما انه لا بد من فتح ابواب المشاركة السياسية على مصراعيها ، ليدخل منها الشباب ويساهموا في صناعة القرار ، والمشاركة في بناء الاوطان ، انها مجموعة قيم لو قمنا بتنفيذها ، سوف نكسب الوطن والمواطن معا ، وإن لم نفعل فان وجودنا سيبقى مهددا وقابل للاندثار .