نحن اكثر الاقوام نعيش الحلم ونتوسع في الخيال ، مفرطوا التفاؤل والتشاؤم معا ، نُفلسف مالا يُفلسف ، ونفسر ما هو مفسّر ، تماما ك الذي يفسر الماء بالماء ، نبحث عن الاشاعة ثم ننشرها ف نصدقها ، جُلُنا يبحث بقصد او دون قصد .
عن النكد والأسى ف نلتقطه بملقط من بين اكوام القش والتبن ، قيل أننا امة إقرأ ولكننا لا نقرأ ، واذا قرأنا لا نفهم ماذا قرأنا ، سطحيون في كل شأن من شؤون حياتنا ، لا ناخذ الأمور على محمل الجد ، ولا نستوعب أن للجدية مكان وللضحكة مكان آخر ، وغالبا ما ننجح باختبارات الغباء ، ولهذا كله نحن كائنات نصنع خيباتنا بانفسنا ولأنفسنا ، ثم نبحث عن مشاجب لنعلق عليها تلك الخيبات .
خيباتنا في التوقف عند الماضي ، ونقطة آخر السطر ، وعدم استيعاب الحاضر وضبابية المستقبل ، ورحم الله شاعر العرب محمود درويش حيث قال " أيها المستقبل لا تسألنا من أنتم وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف ، أيها الحاضر تحمَّلنا قليلاً ، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل " .
خيباتنا في النقل ورَكن العقل وثقافة موروثة ، وجهل نلعنه ليل نهار ونحن فيه غارقون ، ورَدِية فيها واقعون ، ننام ولا نستيقظ حتى لو كان المنبه مدفع ، خيباتنا في إعلام يغسل عقولنا ويُسَرِح لنا شعر رؤوسنا ، يخبرنا ماذا نأكل ونشرب ، ومتى ننام ونستيقظ ، وآخر ما غرسه في رؤوسنا أن الصهاينة ليسوا اعداءنا ، أمسُنا يشبه كثيرا يومنا ولا يختلف بشئ عن غدنا وبعد غدنا وما بعد بعد غدنا ، خيباتنا في غد لا يأتي ، واحلامنا اضغاث احلام ، وطموحاتنا لا ترى النور ، لم نجرب أن نعانق السماء يوما ، او نحاول الولوج الى المجد في عليائه ، لأننا تخلينا عن محموعة قيم هي ايمان وامانة ، تصميم وعزم وإرادة ، لصالح صنم يشبه اصنام الآلهة القديمة يغوث ويعوق ونسرا ، او اللات والعزى ، صنعناه لأنفسنا وأسميناه الأمل ، لنعيش من خلال فسحته التي ندّعيها ، ونتمترس وراءه لنقنع انفسنا أن القادم ابهى واجمل .
خيباتنا دبابات وطائرات ، صواريخ وراجمات ، قتل وذبح وتشريد ، خِيم ومخيمات ، في الخيمة الاولى يقبع طفل مع امه دون والده لأنه مات ، وفي الثانية أب وطفل دون ام لأنها ماتت ، والثالثة أب وأم دون اطفالهم لأنهم ماتوا ، رقاب تُضرب ورؤوس تُقطع ، حتى بات كل واحد فينا يطأطئ الرأس كي لا يُقطع ، جثث ك احجار الشطرنج تتناثر على رقاع الرؤساء والخلفاء وامراء الحروب ، وكأن المشهد قد اصبح ورديا مألوفا ولم نعد نهتم ، ولماذا نهتم ، فلا فرق فيما بيننا ، فهم اموات ونحن اموات احياء ، خيباتنا سماء لوّثها دخان تفجيراتهم ، وأرض حمراء صبغتها دماؤهم ، ورغم كل خيباتنا فاننا ما زلنا لا نبحث عن فجر لنا ، لا نحاول أن نشم رائحة كعك العيد كي نفرح ، ولا نشم طفل رضيع تفوح منه رائحة الحليب .
ولا نسمح لِ زبد موج البحر أن يدغدغ اطراف قدمينا ، لا يُفرح اطفالنا الوان قزح مثلما كان يفرحنا في طفولتنا ، ولا تُفرحنا قطرات الندى في الصباح ، ولا زقزقة العصافير مع بزوغ الفجر ، ف الفجر لكل شئ ولا فجر لنا ، والقهوة في الصباح فقدت مذاقها وسحرها ، ولم نعد معها نسمع فيروز وهي تغني للحب والشمس والفجر والسلام ، ولا نقرا الجريدة ، ورغم كل الخيبات فاننا ما زلنا لا نغضب ...