أنا لا أنكر أن الأطراف الدولية تبحث عن مصالحها وتلعب في الخفاء من أجل تحقيق هذه المصالح، لكن ينبغي الا نجعل مايحاك في الظلام وما يجري وراء الكواليس شماعة نعلق عليها كل ما نعانيه من فشل وتعثر.
ما أستغربه أن دولة مثل سورية وما فيها من عقول وعلم وثقافة ونظام يدعى قدرته على استيعاب كل المؤامرات ويدعي قدرته على مواجهة ما يدبر له من مؤامرات لم يستطع أن يثبت ذلك ويدلل على حكمته في حسن التصرف عند أول تجربة خاضها.
فالنظام السوري أمضى أربعين عاما دون أن يطلق طلقة واحدة باتجاه اسرائيل التي استباحت سماؤه مرات عديدة ودمرت الكثير من منشئاته العسكرية وقضت على محاولاته النووية في مهدها دون أن يتخذ أي إجراء يحفظ فيه ماء وجهه حتى ولو بمساعدة ايران التي طالما هددت وتهدد دوما بحرق اسرائيل وإزالتها من الوجود، وأكتفى النظام السوري بتشدقه في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وكان النظام السوري الذي يدعي أنه يحكم من خلال الجبهة الوطنية ألتقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي يحرص دوما على دغدغة عواطف المواطن العربي ويستغل مشاعره القومية من خلال تبنيه فكرة الوحدة العربية المنشودة بينما هو يحيك المؤامرات للدول العربية المجاورة ويعمل على خلق الفوضى والمشكلات فيها وينفرها وينفر شعوبها من فكرة الوحدة.
والمشكلة أن النظام الحاكم في سوريا طالما كان يعيث فسادا في بلده ويظلم ويتعسف ويكبت الحريات متباهيا بكون سوريا لا تعاني من أي مديونية، بينما يعيش المواطن السوري حد الكفاف، ولا تجد مواطنا سوريا الا ويعمل بمهنتين كي يؤمن الحد الأدنى من العيش. فالسوريون قبل الثورة لم يكونوا يعيشون حياة كلها "قمرة وربيع"، فلطالما سمعنا شكواهم من ظنك العيش والفساد وقمع الحريات وخاصة في المرحلة الأخيرة التي سبقت الثورة حيث سيطرت فئات محدودة ممن يدورون في فلك النظام من أقطاب النظام الحاكم ومن أقارب وكبار ضباط وبعض أصحاب البزنس على مقدرات الوطن الى أن وصل السيل الزبى، فأستغل السوريون الفرصة المتاحة للاحتجاج السلمي، ولم يدر في خلدهم أن تصل بهم الأمور الى ما وصلت اليه من خلال ألاعيب النظام. وحتى أرد عليكم سلفا، فأنا هنا أتكلم عما جرى ويجري في سوريا ولا أعني أننا في دولنا العربية مثلا يحتذى في الديمقراطية وحرية الكلمة و الرفاه الاجتماعي ورغد العيش.
فالنظام السوري أثبت غباءه وفقدانه للحكمة عند بداية الاحتجاجات السلمية في المدن السورية كدرعا وحماه وحمص وغيرها. وكلنا يتذكر مسيرة أهل حماة السلمية التي خرج بها أكثر من نصف مليون من أهل المدينة ومسيرات في مدن أخرى كانت تتخللها الأغاني الوطنية والأهازيج الشعبية التي ما زلنا نتذكرها وبعضنا يرددها. جن جنون النظام وبدأ يحيك المؤامرات لتجييش تلك المسيرات واستخدم كل فنون الدهاء والخداع الى أن وصلت الأمور الى ما نحن فيه الآن.
أنا لا أنكر أن جهات دولية دخلت على الخط وبدأت تلعب لعبتها بحثا عن مصالحها الى أن وصل الوضع الى ما وصل اليه الآن،. لكن النظام نفسه هو من تساهل ومنذ البداية في فتح المجال لدخول الجماعات المتطرفة ليختلط الحابل بالنابل هادفا القضاء على الجيش الحر الناشئ الذي بدأ آنذاك يقض مضاجع النظام في بداية الثورة ، وعلى مبدأ "علي وعلى أعدائي.
لقد آن الأوان للدول العربية أن تحكم العقل بأن تضع حدا للمأساة السورية وتتوقف عن دعم كل الجهات الدخيلة المتطرفة في فكرها والتي أصبحت أفعالها الآثمة ترتد في كل اتجاه، وآن الأوان للنظام السوري وبمساعدة الدول العربية المؤثرة في مواقف أمريكيا والغرب ،وفي حال توفر البديل المعقول، أن يتنحى جانبا تاركا المجال للشعب السوري أن يحكم نفسه بنفسه ويعيش بسلم وأمان.