برزت في الآونة الأخيرة العديد من المؤسسات والهيئات التي تدافع عن حقوق المرأة وتطالب بإنصافها، تبذل هذه المؤسسات الغالي والنفيس من أجل تسليط الضوء على معاناة المرأة. بعضها خصص برامج تلفزيونية، والآخر عقد العديد من الحلقات النقاشية والحوارية، دخل الإعلام واستل سيفه محارباً في معركة لا تكاد تُعرف مقاصدها!
السؤال الذي يتكرر كل مرة ؛ ماذا يريدون للمرأة؟
السؤال يبدو منصفاً في كثير من الأحيان، ويبدو برّاقاً للوهلة الأولى، كما تظهر بين ثناياه لغة التشكيك ويسهُل على الناظر من بعيد توجيه أصابع الاتهام.
وللإنصاف لا بد من التريث قبل الحكم على هذه المطالب، ولا بد من الحكم على الأمور من منطلقات عِدة، تبدأ من الأهداف وتنتهي بالنتائج.
ومن خلال التصفح لبعض ما تنشره هذه المؤسسات، وما يصدر عنها من أنشطة يمكن تقسيمها على النحو التالي:
أولاً: مؤسسات تنادي بالمساواة بين المرأة و الرجل، وتطالب المجتمع أن ينظر للمرأة بحرية تامة. وتظن هذه المؤسسات أنها إذا حققت هذا الهدف فقد انتصرت للمرأة وأعلنت شأنها، ولكنها لا تتخيل سوء فعلها ونتائجه الوخيمة، وحتى تدرك ذلك فما عليها سوى أن تتخيل لو أن جمعية نشأت وطالبت بمساوات الرجل بالمرأة، وطالبت أن يكون الرجل بحقوقه وواجباته كالمرأة تماماً دون تفريق ولا تمييز.
فكيف تستقيم أمور الحياة لو كان للجنسين ذات الحقوق وذات الواجبات، بل كيف سمح بعض بني البشر لأنفسهم صياغة بعض الاتفاقات الدولية على هذا النحو وطالبوا بفرضها على جيع المجتمعات؟!!
ثانياً: مؤسسات تنادي بابتذال المرأة وتسليط الضوء على مفاتنها، وأن جمالها الأخّاذ لا بد أن يكون بمتناول الجميع، وتسعى هذه المؤسسات من خلال مجلات الأزياء ومسابقات ملكات الجمال، لتثبت للجميع أن عنصر الجمال الذي تمتلكه المرأة هو أحد مكنوناتها التي لا بد لها أن تتباهى به أمام القاصي والداني، متناسين أن المرأة ذاتها التي تفعل ذلك لا ترضى أن تكون مفاتن زوجها بمتناول الجميع، وتظهر غيرتها وتُستَفزّ حين تجد من زوجها نظرات إعجاب لغيرها، وفي ذات الوقت تناست أن هذا الجمال الذي تُسضوِّق له لا تملكه كل النساء بدرجة واحدة. فهي هنا متحيزة لنسبةٍ لا لمجموع.
ثالثاً: مؤسسات تبحث في عمق المرأة وتسعى لإظهار الدور الحضاري لها، كما تسعى لتجاوز الاختلافات الفطرية بين الرجل والمرأة، تسلط الضوء على إبداع المرأة وقدراتها، وبنوعٍ من الإنصاف تسوّق للمرأة وحقوقها التي حرمها منها المجتمع بنظرته الضيقة.
تبذل هذه المؤسسات الكثير من الجهود من أجل صيانة حقوق المرأة منذ الولادة وحتى الممات، دون أن تمسّ بسوء ما تفرضه عليها تعاليم دينها السمحة وتقاليد مجتمعها المُبْصِرة.
رابعاً: مؤسسات جعلت للمرأة دوراً هامشياً بالحياة، لا يزيد بحالٍ من الأحوال عن دورها في البيت، وإن كان ولابد فعملها وحياتها تقتصر على ما تقدمه لمجتمع السيدات، كتعليم الإناث وعلاجهن ….
جميع هذه الأنماط تريد الدفاع عن المرأة، فهل من المنصف النظر لها بعين واحدة؟!،
باختصار؛ إذا كنت من المهتمين بشأن المرأة ليس عليك أن تذهب بعيداً في النظر لصدق هذه الأنماط وشبيهاتها، فقط انظر لما تقدمه من نشاط، وما تسعى لتحقيقه من أهداف، عندها فقط ستعرف ماذا يريدون من المرأة.