قد يبدو عنوان هذا المقال لغير المهتم بالموضوع ولكل من ما زال يحترم هذه الدرجة العلمية غريبا. لكن واقع الحال يؤكد وجود مثل هذا التوجه غير المعلن لدى بعض جامعاتنا الخاصة على الأقل، بغض النظر عن مستوى جودة المنتج. مع كل الاحترام والتقدير وشديد الاعتذار لكل من حمل هذه الشهادة بجدارة ونتيجة جهد وتعب أهلاه لحملها.
خلال النصف الثاني من القرن الماضي، كانت عملية الحصول على هذه الدرجة العلمية مقتصرة على حالات الابتعاث الخارجي من الجامعات والمؤسسات البحثية والعلمية لمن يستوفون شروط الابتعاث ويلتزمون بالعودة للجامعة للوفاء بالتزامهم. وبعد عودة المبعوثين، وبروز حاجة السوق المحلي لكفاءات تدريسية رديفه، ظهرت رغبة الجامعات الرسمية الاردنية وعلى رأسها الجامعة الأم، درة الجامعات، في ادخال برامج الدراسات العليا ضمن برامجها التعليمية لاحتظان أبناء الوطن الراغبين في متابعة دراستهم العليا داخل بلدهم وبين أهلهم وذويهم، من جانب، والحفاظ على موارد البلد المالية والمحافظة على عملاتها الصعبة، من جانب أخر. وقد كانت أعداد الطلبة المقبولين في الأقسام الاكاديمية أنذلك قليلة جدا، بما يتناسب وقدرات الجامعات المالية والبشرية والعبء الدراسي لاعضاء الهيئة التدريسية فيها.
لكن المتابع لمشهد التعليم العالي الأردني الحالي يلاحظ نموا كبيرا ومتزايدا في أعداد الطلبة الأردنيين وغير الأردنيين في مراحل التعليم العالي المختلفة التي تقود في نهاية المطاف الى تخريج أفواج كبيرة من حملة الدكتوراه في معظم التخصصات الأكاديمية، في ظل سهولة الحصول على الشهادة (والبركة في الاكشاك الموجودة في محيط الجامعات والخبرات العربية التي أملت علينا ظروف المنطقة استضافتها) والتي توفر لك البحث الذي تريد، وبالسعر المقبول والذي يتناسب وقدراتك المادية، وفي الوقت المحدد بعد اقناعك بقدرة مزود هذه الخدمة وعرض ملف اتصالاته بعدد غير محدود من الخبرات العربية المتخصصة التي تحمل الرتب الاكاديمية المتقدمة، وما عليك كطالب الا دفع ما يتطلبه الامر من دفعة مقدمة ودفع ما تبقى عند استلام البحث أو الاطروحة في الموعد المحدد، مع توفير ميزة جلوسك مع مُعد البحث، الشهم الطيب الذي منحك الاولوية في صف طابور طالبي الخدمة، لفهم الموضوع الذي لم تتطلع عليه سابقا، في معظم الحالات، والاستفادة منه في معرفة اجابات الاسئلة المتوقعة سلفا.
لقد خدشت صوره التعليم العالي الاردني في السنوات الأخيرة وشابها ما شابها. وما علينا نحن أبناء الوطن الغيارى الا الاعتراف بأن التعليم العالي في الاردن الذي كنا نتباهى به ونفاخر الدنيا بتميزه، لم يعد اليوم بأبهى صوره، ولا يغرنا أخوتي الكم الهائل من أفواج الخريجين من حملة الشهادات العليا التي هي في ازدياد ملحوظ دونما خريطة طريق وبعيدا عن الاهتمام بمعايير الجودة، الامر الذي من شأنه المساعدة في نقل البطالة من مرحلة حاملي درجة البكالوريوس الى مرحلة حاملي درجة الدكتوراه، خصوصا أن حجم الطلب على الفئة الأخيرة من الكفاءات الاكاديمية أقل بكثير من الطلب على الكفاءات في المراحل التعليمية الاخرىن وبالنتيجة لن تستطيع جامعاتنا استيعاب هذا الكم الهائل من الخريجين ذوي الكفاءات العالية. والسوق المحلي يظهر ذلك بجلاء، في ظل محدودية الفرص المتاحة وازدياد الكفاءات العربية التي سمح لها بالعمل في جامعاتنا الخاصة بامتيازات تفوق تلك الممنوحة لابناء الوطن. ولمن لا يصدق ذلك، نتمنى عليه مشكورا زيارة أقرب جامعة خاصة لمكان اقامته ليشاهد بأم عينه أعداد الزملاء الافاضل من غير الاردنيين، الذين سيبقى احترامنا لهم واجبا تمليه علينا همتنا العربية وقيمنا الاصيلة، على الرغم من تمسكنا برأينا الواضح والصريح المتضمن ضرورة الاهتمام بالكفاءة الاردنية ومنحها فرصتها في بلدها.
رعى الله الأردن بلدا آمناً وسدا منيعاً أمام محاولات الأعداء والمتربصين وحمى قيادته وشعبه من كل مكروه.
maskaraki@yahoo.com