طالعت باهتمام وتدقيق النسخة الأولية لميثاق النزاهة الوطنية والخطة التنفيذية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية والتي نشرتها اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية على الموقع الاكتروني لرئاسة الوزراء.. وتضمّنت قائمة محتويات الخطة التنفيذية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية لعام 2013 عشرون محورا،خصصت المحور الاول منها لتعزيز دور الجهات الرقابية الثلاث..(ديوان المحاسبة)(هيئة مكافحة الفساد)(ديوان المظالم) وهي المؤسسات المعنية بالرقابة على اعتبار أن الإصلاح المنشود لايمكن أن يكتمل دون تعزيز قدرات هذه المؤسسات ماليا واداريا وفنيا بما يمكنها من أداء دورها في الكفاءة المطلوبة. وعليه فإن ماجاء في المحور الأول /ديوان المحاسبة وماتضمنته المشاريع التسع لتعزيز دوره ذكرتني بداية بكلام سمعنه ذات يوم من المرحوم ضيف الله الحمود, عن الفساد وكيفية مكافحته ومعالجته حيث تطرق إلى دور ديوان المحاسبة الرقابي ووصفه بالسلطة الرابعة التي إذا ما تم تفعيل دورها وأدت واجباتها ومهامها باستقلالية وحرية تامتين, وحماية مطلقة, فإنه لن يكون هناك فساد مالي وإداري في كافة أجهزة الدولة على الإطلاق, وضرب مثلاً: أن أحد رؤساء حكومات الأردن نهاية الأربعينيات (لا أذكر إن كان المرحوم سمير الرفاعي الجد أو المرحوم حسن أبو الهدى), قد أصدر قراراً يعفي بموجبه الهواتف المنزلية للوزراء من دفع الرسوم وأثمان المكالمات, فما كان من المرحوم عبد الرحمن خليفة رئيس ديوان المحاسبة وقتذاك إلا أن وجه مذكرة لذلك الرئيس ضمنها سؤالاً عن السند القانوني لذلك القرار, الأمر الذي دفع رئيس الوزراء إلى التراجع عن قراره ووقف تنفيذه لعدم توفر ذلك السند الذي يدعمه ويؤيده. هذه الواقعة تؤكد لنا على الصلاحيات الواسعة التي يخولها الدستور والقانون لديوان المحاسبة في بسط رقابته على كافة أجهزة الدولة دون استثناء لضبط المخالفات والتجاوزات المالية ومنع التطاول على المال العام وإنفاقه في غير وجه حق ودون مسوغ قانوني, وعليه فإن تعزيز دور ديوان المحاسبة يجب أن يكون في اطلاق يده وتمكنيه في بسط رقابتها على المال العام دون تدخل أو معيقات فإنني أجزم أن هذا الديوان بإمكانه خفض العجز في موازنة الدولة وحفظ وصون المال العام من عبث العابثين وتطاول الفاسدين الذين سيحسبون له ألف حساب قبل اتخاذ قرار أو توصية فيها تبذير أو إسراف أو بذخ أو تحايل في إنفاق وتوزيع وصرف الأموال.. وحيث أن المشاريع التسع التي تضمنتها الخطة التنفيذية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية في محورها الاول/ديوان المحاسبة جاءت في معظمها تفي بالغرض المطلوب من الديوان القيام به ..لكن..! بقي أن أقول وأوضح نقطة في غاية الأهمية أن دور ديوان المحاسبة مهما التزمت الحكومة وتعهدت في عدم تدخلها في شؤونه سيبقى عرضة للتدخل والاعتراض ما دام مربوطاً برئيس الوزراء, وهذا يعني أن هيبته ستكون خاضعة للمد والجزر وحسب مزاج ورغبة وجدية رؤساء الحكومات المتعاقبة في مكافحة الفساد ووقف التجاوزات على المال العام, وهذا يستدعي من اللجنة اعادة النظر إن كانت جادة في دعم استقلال ديوان المحاسبة حتى يقوم بالمهمة الموكولة إليه بكل أمانة وإخلاص وحيادية, التوصية بفك ارتباطه بالحكومة وأي سلطة أخرى على الإطلاق, وإنني أقترح تعديل القوانين والأنظمة الخاصة به ليصار إلى منحه الاستقلال التام وربطه مباشرةً تحت ولاية صاحب الجلالة الملك حفظه الله ورعاه, على أن يكون مسؤولا أمام مجلس الأمة حتى لو اقتضى ذلك تعديلا دستوريا وبذلك نضمن لهذا الجهاز القيام بواجباته على أكمل وجه دون أية معيقات أو مؤثرات أو تغول أي سلطة عليه.. فهو وكما قال ضيف الله الحمود ذات يوم: إذا كانت السلطات ثلاث, فإن ديوان المحاسبة رابعها, وإذا صَلُحَ صلُحَتْ كل السلطات.