اعتاد الاردنيون على مدى عقود مضت على الاستفادة من أشهر الصيف لاقامة احتفالات زواج أبنائهم وبناتهم، على اعتبار أن هذه الاشهر توفر لهم فرصة التنقل من مكان لاخر بسهولة ويسر، مع امكانية استخدام الاماكن العامة في استيعاب المشاركين بهذه المهرجانات الكبيرة، باعتبار أن العرسان هم أبناء المجتمع والحارة والعائلة، ومن حق أهل العرسان على الجميع المشاركة دون ملل أو كلل أو ابداء أي تذمر يمكن أن يؤثر على مجريات الامور، سواء كنت مدعوا أو غير مدعو، لان الدور قادم على الجميع، ومن لا يقف مع الناس ويشاركهم في افراحهم واتراحهم، لا سمح الله، لا يقفون معه.
ما يلفت النظر هذه الايام أنك أصبحت تشارك في الاعراس والافراح سواء كنت قريبا أو صديقا، أم لم تكن، مجبرا على ذلك، ومطلوب منك الضحك والتصفيق والتزمير، أحيانا ان كنت من هواة استخدام الزامور حتى يرضى عنك من كان أمامك على الاشارة الضوئية التي يتحكم في اضاءتها أهل العرس، ان لم يتوفر شرطي المرور، ان كان ذلك في الشارع العام الذي يستخدمه العامة.
وان كنت في بيتك وفي هذه الايام والليالي الصيفية فأنت مُضطر لسماع أصوات الموسيقى الصاخبة وحتى ساعات متاخرة من الليل، ودونما تذمر، وبغض النظر ان كان دوامك صباحي أو مسائي، مُبكر أو متأخر، في ضوء وجودنا في بيوت وشقق تفتقد لعازل الصوت، فانت في الغالب تسكن في الشارع وتشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم، شئت أم أبيت، ومُجبر أن تجامل من يعطس في الشارع بقولك يرحمكم الله، وان كنت محظوظا سيرد عليك، سامحنا وسامحكم الله.
بحمد الله وبفضل جهود التوعية المستمرة، من الملاحظ انخفاض حالات اطلاق العيارات النارية في مثل هذه الافراح واستبدالها، في معظم الحالات بالالعاب النارية، التي على الرغم من ازعاجها لنا جميعا، فهي تشكل وضعا مختلفا في التعبير عن أفراحنا.
الظاهرة الجديدة المضافة منذ فترة في بلدنا هي مواكب الخريجين التي تشهدها البلد خلال فترتين من العام شهري فبراير ومارس وشهري حزيران وتموز، بعيدا عن احتفالات التوجيهي التي تأخذ طابعا معينا وفي وقت محدد يرتبط بوقت التصحيح ومزاج الشارع وقررات الوزارة. وبوجود عدد كبير من الجامعات الرسمية والخاصة أصبحت تنام وتصحى على زوامير وطبول وقرب مواكب الخريجين الذين يرتدون الارواب الجميلة، بألوان زاهية تُميز جامعاتهم، ومنهم من يتباهى باغلاق الشارع العام، وآخر يحلق في فتحة سقف السيارة ويمسك بيد زميلته، وكأنك تشهد زفة عرس، وبعضهم الاخر من ميسوري الحال، ممن أنعم الله على أهلهم ويسر أمورهم، يستخدم سيارات الكشف الفارهة بأنواعها المختلفة من لامبرجيني ومرسيدس وبورش وكومارو وروز رايز وجاكوار وفراري.. يجوبون الشوراع دون اكتراث لمن يستخدم الشارع من مارة وسيارات اسعاف واطفائيات حريق ...
وفي هذه السانحة لا بد من اعترافنا بحقنا جميعا بالفرح، فهو حق مشروع للجميع، ومن حق الجميع الاستفادة من وقتهم، والاحتفاء بمُحبيهم في حدود الممكن، وضمن حدود حريات الاخرين، وبما يضمن احترام وقتهم ومشاغلهم وظروفهم. هذه شيمنا وأخلاقنا التي تربينا عليها، وورثناها جيلا عن جيل.
رعى الله الاردن سدا منيعاً أمام محاولات الأعداء والمتربصين، وحمى قيادته وشعبه من كل مكروه.
maskaraki@yahoo.com