أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأردن .. أكثر من 12 ألف عملية لعلاج السمنة سنويا ماليزيا .. 10 قتلى بتصادم مروحيتين عسكريتين ضبط مركبة تسير بسرعة 195 على طريق المطار البنك الدولي يحذر من تخلف الأداء الاقتصادي لمنطقة الشرق انخفاض سعر الذهب نصف دينار في السوق المحلي أبو نقطة: رأس المال في قطاع الثروة الحيوانية يقدر بمليار دينار خبير أردني: أسعار البنزين ستصل لأعلى مستوى منذ أكتوبر الثلاثاء .. درجات حرارة صيفية وأجواء حارة نسبياً جامعات أمريكية جديدة تنضم لحراك دعم غزة .. واعتقال عشرات الطلاب (شاهد) أمير الكويت يبدا بزيارة تاريخية للمملكة اليوم المساحة والقسط والفوائد .. كل ما تريدون معرفته حول الأراضي التي تعرضها الحكومة بالتقسيط (فيديو) إسرائيل تتهم مصر بتهريب السلاح للقطاع .. والأخيرة ترد الحرارة بالأردن أعلى من معدلاتها بـ10 درجات في الأيام المقبلة %23 من مراهقي الأردن يعانون الاكتئاب الحاد نصراوين : الحكومة يجب أن تستقيل في هذه الحالة بن غفير يحرّض على إعدام الأسرى الفلسطينيين الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن مقابر جماعية بغزة إنتر يحسم الديربي ويتوج بالاسكوديتو بينهم رئيس الأركان وقادة كبار .. توقعات بموجة استقالات واسعة في جيش الاحتلال الوزير الخريشة يحسم الجدل حول قانون الأحزاب والانتخاب
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام تقدمهم وتأخرنا ..

تقدمهم وتأخرنا ..

06-11-2012 10:18 AM

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. وانقسام العالم إلى معسكرين رئيسيين ، معسكر في الشرق وهو حلف وارسو ، وحلف في الغرب وهو ما أصبح يسمى لاحقا بحلف شمال الأطلسي ، فبدأ الغرب بوضع استراتيجياته من أجل إثبات وجوده كقوة عظمى ، فوضع في قمة أولوياته بعد لملمة الجراح ، وخروجه من حرب مدمرة ، فبادر السياسيون في الغرب ، بالتحضير والإعداد الدقيق لمهمة هي في نظرهم كانت من أعقد المهام ، وهي مواجهة ما كان يسمى بـ (حلف وارسو) الذي تنتمي إليه منظومة الاتحاد السوفيتي ، وهي دول أوروبا الشرقية قاطبة.. بقيادة روسيا . 

وقد عاصر العالم كله تبعا لذلك ، سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، مناخا يسوده التوتر الشديد ، فألقت التوترات الشديدة بظلالها على العالم في الغرب والشرق ، وقد أطلق على تلك التوترات مصطلحا لم يعهده العالم من قبل ، وهو ما كان يسمى بالحرب الباردة، وتعني وجود حالة من العداء الدائم والتنافس الشديدين في العلاقات ، بين دول الغرب ذات النظم الديمقراطية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية (القطب الأمريكي)، بصفتها العظمى بعد أن أفل نجم بريطانيا، وبين الدول الشرقية الشيوعية، بزعامة الاتحاد السوفييتي (القطب السوفييتي)؛ فكانت كل تلك التباينات بسبب وجود تناقضات جذرية في المصالح والأهداف، وتباين في المعتقدات الأيديولوجية، بين النظرية الماركسية اللينينية (الشيوعية) في الشرق، والنظرية الديمقراطية (الحريات السياسية) في الغرب . وقد تميزت المراحل الأولى من بدء الحرب الباردة ، بوجود الصراع العقائدي، والتهديد الدبلوماسي، والحرب النفسية والدعائية، والضغوط الاقتصادية، وتصاعد خطير في سباق التسلح، بشكل لم يسبق له مثيل. ومع وجود توترات مستمرة في العلاقات بين القطبين وحلفائهما، انعكس ذلك على وجود صراعات على مستوى دول العالم الثالث ، حيث كانت تلك الدول تخضع لتجاذبات بين الشرق والغرب ، نجم عن ذلك تفجر العديد من الحروب المحلية ، على نطاق محدود في مناطق متعددة من العالم الثالث ، مثل كوريا والهند الصينية وفيتنام، وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وهي الحروب التي عمل كلا القطبين من خلالها على دعم الدول التي تسير في ركابه والتي تنتمي له سياسيا ، وذلك من أجل تحقيق مصالحهما ، وفرض ممارسة إستراتيجية الحرب بالوكالة على الدول التي تدور في أفلاكهما ، وكان كل معسكر يتدخل بتلك الحروب في أطر محسوبة بدقة ، مأمونة العواقب بالنسبة لكلا القطبين ، تجنبًا لنشوب حرب عظمى وصراع مسلح مباشر بينهما، تكون له مخاطره الحاسمة المدمرة، وأهم من ذلك هو تجنب احتمالية نشوب حرب نووية شاملة.

وهكذا..اتضح، منذ عام 1947، أنه لا أمل في التوصل إلى تسوية سلمية بين القطبين، وأنه لا أمل، كذلك، في التوصل إلى اتفاق على توحيد ألمانيا، كفراغ سياسي، كانت كل كتلة تسارع إلى ملئه. فاندفعت كل منهما إلى داخل ألمانيا؛ حتى واجه كل منهما الآخر داخلها. فمن الشرق مد الاتحاد السوفييتي نفوذه إلى الثلث الشرقي من ألمانيا، إضافة إلى الجزء الواقع تحت سيطرة النمسا. وتخطى الاتحاد السوفييتي ذلك إلى السيطرة على الدول الشرقية الواقعة على حدوده الغربية: بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا وألبانيا.

وعلى الجانب الآخر، وقفت الدول الثلاث المتحالفة، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وقد احتلت القطاعات الباقية من ألمانيا، وكونت تحالفاً بينها. وعمد الاتحاد السوفييتي والدول المتحالفة معه، إلى وضع حاجز يحجب أوروبا الشرقية عن الغرب كله، ذلك الحاجز الوهمي، الذي أطلق عليه الغربيون اسم "الستار الحديدي".

وهكذا برز، بين من كانوا حلفاء الأمس، إبان الحرب العالمية الثانية، نظام عالمي ثنائي القطبية Bipolar System، وهو يعني وجود قطبين متفوقين في مراكز القوى السياسية العالمية، يحيط بكل منهما عدد من الدول التابعة، التي تقلّ إمكاناتها كثيرًا عن إمكانات القوتين العظميين؛ لتتشكل إستراتيجية الأحلاف السياسية العسكرية، في توافق مع نظم التكتلات الاقتصادية.

كيف أمكن تنظيم حلف وارسو ؟

أولاً: الأوضاع السياسية والعسكرية والتكتلات الدولية:
بدأ الصراع يشتعل منذ 5 مارس 1946، عندما صرّح ونستون تشرشل، رئيس وزراء إنجلترا، بتأييد من الرئيس الأمريكي ترومان، أنه أصبح مقتنعاً تماماً أن الروس لا يحترمون إلا القوة، ومن ثم، يجب على الشعوب الناطقة بالإنجليزية، أن تتحد؛ لمنع أي مغامرة توسعية، يقدم عليها جوزيف ستالين، زعيم الاتحاد السوفييتي.
ثم تفاقمت الخلافات، حين بدأت الولايات المتحدة مع دول أوروبا، مشروع "مارشال"، ودفعت بمقتضاه أموالاً طائلة، في شكل مساعدات مجانية وافرة؛ لسد العجز في موازين مدفوعات الدول الأوروبية الغربية. ورد الاتحاد السوفييتي، بحملة ضد مشروع مارشال، متهماً الولايات المتحدة بمحاولة السيطرة على دول أوروبا اقتصادياً، وسياسياً، بهدف فرض الحصار على الاتحاد السوفييتي.
وأنشأت موسكو مكتب الاستعلامات الشيوعي، أو الكومينفورم، وهي منظمة الغاية منها أن فرض ستالين من خلالها، سيطرته على دول أوروبا الشرقية، والأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية. وكان مشروع مارشال الكومينفورم هما السبب الأساسي في تقسيم أوروبا، إلى معسكرين متصارعين. ثم جاءت أول خطوة، اتخذها الحلفاء لتنظيم الدفاع ضد الدول الشيوعية، وهي تأسيس حلف شمال الأطلسي، في 4 أبريل 1949م، من (الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورج، والنرويج، والدانمارك، وأيسلندا، وإيطاليا، والبرتغال) . ونص ميثاقه على أن أي هجوم مسلح على أي دولة من هذه الدول، أو أي دولة في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يعد عدواناً عليها جميعاً. وأعقب توقيع حلف شمال الأطلسي، اتفاقات ثنائية: مع اليابان عام 1950، والفلبين عام 1951، وكوريا عام 1953، والصين الوطنية عام 1954، وأستراليا ونيوزلندا عام 1951، واتفاقية دفاع مشترك مع كل من إيران وتركيا وباكستان عام 1959، وغيرها.

ثانياً: نشأة حلف وارسو أو ما يسمى : ( Warsaw Pact):
في 5 مارس 1953، تُوفي جوزيف ستالين، وبدأت مرحلة جمود نسبي في مناخ الحرب الباردة؛ ففي ذلك الوقت، كانت الحرب المشتعلة في الصين، منذ عشرين عاماً، قد انتهت بسيطرة الشيوعيين على السلطة، وإعلان ماوتسي تونج إنشاء الجمهورية الشعبية الصينية، في سبتمبر 1949، ولجأ معارضه شان كي تشك إلى فورموزا، واستمر من مكان لجوءه ، يمثل جمهورية الصين الوطنية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد فترة وجيزة من الانتصار الشيوعي في الصين، بدأت حرب كوريا؛ عندما عبرت القوات الكورية الشمالية الشيوعية، في 25 يونيه 1950، الحدود، وتوغلت في أراضي كوريا الجنوبية، وباءت محاولات التفاوض كلها بالفشل، إلى أن مات ستالين، فبدأ مسار المفاوضات يتغير، في ظل الانفراج. وصرح جورجي مالينكوف، السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفييتي، في 15 مارس 1953، بأنه: "لا يوجد، فيما يخص علاقتنا مع الدول جميعاً، أي موضوع يثير النزاع، أو غير قابل للحل بالوسائل السلمية، والاتفاق المتبادل مع الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية". وعقب ذلك طلبت موسكو، من الولايات المتحدة الأمريكية، الإسراع في المفاوضات، حول مسألة الهدنة الكورية، إلى أن تم التوقيع عليها في شهر أغسطس 1953. كذلك كفَّت الحكومة السوفييتية عن مطالبها الإقليمية في تركيا، ومدت يد الصداقة لكل من تركيا واليونان، وأعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وتبادلت السفراء مع يوغوسلافيا واليونان، وتحدثت عن الهند بلهجة هادئة ودودة، وبدأت تتقارب مع اليابان، وتثني على الرأي العام البريطاني. ووقّع الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، اتفاقية في فيينا، عاصمة النمسا، في 15 مايو 1955، تنص على سحب الجيوش السوفييتية من النمسا، بشرط أن تُعلن النمسا دولة محايدة، ولا تنضم إلى تحالف أوروبا الغربية، ولا إلى أي حلف عسكري آخر.
في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه الأحداث، التي تبشر بانفراج دولي على صعيد الحرب الباردة، كانت الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تتابع المفاوضات، حول توسيع حلف الدول الأوروبية، الذي بدأ في بروكسل وانتهى بإعلان حلف شمال الأطلسي. وبين 12 و 23 أكتوبر 1954، نُشر مشروع معاهدة وحدة دول أوروبا الغربية في باريس ولندن؛ فكان، على الاتحاد السوفيتي، أن يواجه هذا الحدث الجديد، الذي كان يدعو إلى إدخال ألمانيا الغربية في هذه الوحدة، والسماح لها بالتسلح. فدعا إلى مؤتمر يعقد في موسكو بين 29 نوفمبر و2 ديسمبر، حول الأمن الأوروبي. وشملت هذه الدعوة فرنسا وإنجلترا وإيطاليا. وبما أن الدول الأوروبية الغربية لم تحضر المؤتمر، أعلنت دول أوروبا الشرقية أنَّها، إذا أُقرّت معاهدة الوحدة الغربية، ستتخذ إجراءات مشتركة، تتعلق بتنظيم وتوحيد قيادة قواها العسكرية. وفي أوائل مايو 1955، أَقرّت، معاهدةَ الوحدة، جميعُ الدول الغربية المشتركة فيها. فما كان من الاتحاد السوفيتي إلا أن أعلن بطلان المعاهدات، التي سبق أن ارتبط بها مع إنجلترا 1942، وفرنسا 1944. وبين 11 و14 مايو، عُقد في وارسو، عاصمة بولونيا، مؤتمر ضم دول الكتلة الشرقية: الاتحاد السوفيتي، وبولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، والمجر، صدر على إثره اتفاق تعاون ومساعدة متبادلة، وتوحيد القيادة العسكرية، بين تلك الدول. وهكذا، تشكل حلف وارسو في مواجهة حلف شمالي الأطلسي؛ وذلك لاستكمال عدد من المعاهدات الثنائية، التي كانت تربط بين جميع الدول الأعضاء، باستثناء ألبانيا، التي لم توقع أي معاهدة ثنائية، مع أي من الدول المذكورة. ورومانيا، التي لم توقع معاهدة ثنائية مع ألمانيا الشرقية.

كان الحلف أحد أهم الخطوات، التي قام بها كل من نيكولاي بولغانين ونيكيتا خروتشوف، بعد توليهما السلطة في أوائل العام 1955؛ وجاء رداً على اتفاق باريس، وقبول ألمانيا الغربية في حلف شمالي الأطلسي، في 9 مايو 1955. وجاء في البيان السوفيتي عن الدوافع، التي حدت بدول الكتلة الشرقية، إلى تشكيل الحلف، أن الأطراف الموقعة كانت قد وافقت على الامتناع عن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، طبقاً للوائح الأمم المتحدة. إلا أن إعادة تسليح ألمانيا الغربية، بموجب اتفاق باريس، يمثل تهديداً للدول المحبة للسلام.
انسحبت ألبانيا من الحلف، عام 1968؛ فأصبح أعضاؤه سبع دول فقط، في مقابل 15 دولة أعضاء حلف الناتو، وبقاء 13 دولة غير منحازة.

ثالثاً: الأسباب التي أدت إلى إنشاء هذا الحلف (من وجهة نظر السوفيت):
1. تنظيم التأييد للسياسات السوفيتية، وتنسيق السياسات القومية للاتحاد السوفيتي، مع دول أوروبا الشرقية.
2. تنظيـم التعاون العسكري، بما لا يتعارض مع سياسة ستالين، إزاء دول أوروبا الشرقية، والساعية إلى فرض التنظيمات والعقائد العسكرية السوفيتية، على جيوش أوروبا الشرقية.

أين كان العالم العربي في خضم هذه التيارات المتصارعة على مستوى العالم كله ؟
مع بداية الحرب العالمية الثانية.. أصبح الوضع في مصر متوترا أيضا تبعا لذلك ، حيث أعلن على ماهر الأحكام العرفية , وإنشاء مصلحة للرقابة العامة ومراقبة النشر , وتم القبض على الرعايا الألمان ووضعت أملاكهم تحت الحراسة , وأغلقت قناة السويس في وجه السفن الألمانية .. وبالرغم من كل هذه الإجراءات فإن السفير البريطاني طالب بضرورة إعلان الحرب رسميا على ألمانيا , ثم أشار إلى أن مصر تقوم بدور رائد في العالم العربي , وعليها أن تكون قدوة للعراق وغيرها , وأمام الضغط المتزايد من السفير البريطاني على رئيس الحكومة المصرية , فإن مجلس الوزراء وافق فى جلسته المنعقدة فى الإسكندرية سنة 1939 على إعلان حالة الحرب على ألمانيا , على شرط أن يطلب السير مايلز لامبسون دخول مصر الحرب في طلب كتابي , لأن هذا الخطاب الكتابي سوف يغنى على ماهر عن دعوة البرلمان إلى الانعقاد , إذ انه في هذا الحالة يعتبر دخول مصر الحرب بجانب بريطانيا تنفيذا لمعاهدة 1936 التي سبق وأن أقرها البرلمان .. وبناء عليه فإن السفير البريطاني لامبسون عرض الأمر على حكومته يستأذنها في أن يوجه الخطاب المشار إليه إلى علي ماهر يدعوه فيه إلى إعلان مصر الحرب على ألمانيا .. وكانت المفاجأة مذهلة حين تلقى لامبسون ردا على رسالته من بريطانية بأن حكومة صاحب الجلالة ترفض إعلان مصر الحرب على ألمانيا.

جاء ذلك بالوثيقة البريطانية التي تشرح بعد ذلك - أن الملك فاروق تنامي إلى علمه من مصادره الخاصة إن على ماهر على وشك التراجع عن موقفه الأصلي بشأن حياد مصر أمام ضغط السفير البريطاني , وانه قرر إعلان مصر الحرب على ألمانيا على شرط أن يرسل إليه مايلز لامبسون بهذا الطلب كتابيا .. ولقد دهش الملك فاروق إزاء تبدل موقف على ماهر بهذه السرعة , ورأى الملك أن إعلان مصر الحرب على ألمانيا ودخولها إياها بحانب بريطانيا رسميا سوف يؤدى إلى ذبح المصريين في ألمانيا , واعتبار مصر دولة معادية للمحور , وتعرضها لنيران هتلر , ثم انتقامه إذا انتصر في الحرب . ولذا قام الديوان الملكي برئاسة أحمد باشا حسنين , وبأمر مباشر من الملك فاروق بالإبراق إلى سفير مصر في لندن حسن نشأت بأن يعمل على الفور جاهدا في إقناع الخارجية البريطانية بالعدول عن فكرة دخول مصر الحرب.

وسارع السفير حسن نشأت بمقابلة المستر بتلر الوكيل الدائم بوزارة الخارجية البريطانية , وأوضح له المزايا التي تترتب على وقوف مصر على الحياد , اذ أن ذلك من شأنه أن يسهل ورود السلاح والعتاد من أمريكا إلى الحلفاء عن طريق مصر , كما أن حرص ألمانيا على حياد مصر سوف يحول دون أي توغل لقواتها نحو الدلتا وخصوصا إن المؤشرات تشير إلى تفوق جيوش هتلر سواء في البر أو الجو أو البحر عن جيوش بريطانيا العظمى , ومن ثم فإن من مصلحة بريطانيا الاستراتيجية أن تبقى مصر على الحياد دون تورطها معها في الحرب العالمية حتى تبقى مصر كهفا أمينا للقوات الانجليزية في حالة إذا تراجعوا إليها ... المهم أن المستر بتلر أبدى ارتياحه للحجج التي ساقها حسن نشأت , وبدوره فإن بتلر عرضها على وزير الخارجية البريطاني اللورد هالفاكس الذي وافق على فكرة حياد مصر , وحينما أرسل لامبسون إلى لندن يستأذن في خطاب إلى على ماهر بشأن طلب إعلان مصر الحرب , كان رد الخارجية على لامبسون إن حكومة صاحب الجلالة ترفض إعلان مصر الحرب على ألمانيا وترحب بحيادها .

كانت ضربة مباغته وجهها الملك فاروق لعدوه اللدود السير مايلز السفير البريطاني , كما كانت مفاجأة مذهلة للداهية على باشا ماهر رئيس الوزراء , فكيف نفذ الملك فاروق الذي رأوه جميعا - السياسيون القدامى - طفلا صغيرا يلعب في حدائق القبة وعابدين وأميرا يافعا يجلس بصمت وبراءة بجوار والده الملك الكبير في المناسبات العامة كيف نفذ هذه الخطة البارعة .. كيف تحول الطفل البريء فى غضون ثلاث سنوات قضاها على العرش إلى فرعون عظيم له مصادره الخاصة وعيونه التي تخترق معابد الكهنة لتكشف أسرار وتزيل حجب وتفضح رجال , ثم يعودون إلى الملك الفرعون بخبايا رجاله ومؤامرات خاصته فيتصرف الملك سريعا , ويكبل الأسد البريطاني قبل أن يشرع في توريط مصر في ويلات أعظم حرب دموية شهدها التاريخ.


وبناء عليه فإن على ماهر استجاب لأوامر حضرة صاحب الجلالة وأعلن أن وزارته ترفض دخول مصر الحرب بجانب الحلفاء , وان مصر ملتزمة بحيادها , ومن ثم اشتهر في التاريخ أن على ماهر هو صاحب الفضل في تجنيب مصر الحرب , وتناسى الجميع دور الملك , وللحقيقة فإن الفاروق لم يكن رجلا يجيد الدعاية لنفسه ولانجازات عهده مثلما أجادها الذين جاءوا بعده إلى سدة الحكم في مصر , وكأن ظني بالملك يفكر بطريقة صحيحة ومباشرة وهى طالما أن الهدف قد تحقق فلا داعي للطنطنة الفارغة ... وعلى أي حال فالسيف أصدف إنباءً من الكتب , واعتقد أن الوثائق البريطانية هي أصدق من كل كتبنا ومؤلفاتنا - الرخيصة والانقلابية - والتي وصفت عهد الملك الفاروق بالعهد البائد والعهد البغيض .. ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .. صدق الله العظيم

وهكذا رأينا كيف أن سبق الملك فاروق كان سباقا لفكرة الحياد الايجابي التي عرفت دوليا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وليس قبلها , فقد سبق الملك فاروق جمال عبد الناصر في حياد مصر وان اختلفت موازين القوى في عهد كل منهما , فبينما كان الملك يتبنى حياديا حقيقيا بين انجلترا وألمانيا وسلمت مصر فى عهده من هذين العملاقين , نرى عبد الناصر يدعى حيادا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ولكن لم يكن حيادا أبدا لان الواقع يقول ان مصر عبد الناصر كانت غارقة حتى أذنيها فى سياسات الكتلتين معا , وفى النهاية لم تسلم من كلتيهما ... وهذا هو الفارق بين الحياد الحقيقي سنة 1939 والحياد المزيف سنة 1955 .

بقي علينا أن نعترف بأن الغرب والشرق قد أمعن تفكيره جيدا بعد خروجه من حرب كانت مدمرة على الجانبين ، ليبدأ منظومة حياتية جديدة .. وهو الانتقال من مرحلة الإعداد للحرب إلى مرحلة الإعداد للإصلاح من أجل تقدم الشعوب وازدهارها، وعلى العكس تماما كان القادة العرب في ذلك الوقت وإلى يومنا هذا ، يفكرون بمصالحهم الشخصية ، فأخذوا يلهون شعوبهم بحروب وهمية ، ومؤامرات مزعومة تحاك ضد الوطن العربي ، فبددوا الثروات ودمروا اقتصاد الأمة .. حيث غرقت الشعوب العربية تبعا لإملاءات زعمائها بالاستعداد لخوض حروب وهمية مع إسرائيل ، حيث كانت طبول الحرب تدق بين حين وآخر ، وهكذا بقيت الشعوب العربية غارقة بالوهم ، وهي تستمع إلى خطب بعض القادة العرب النيرانية الجوفاء ، والتي لم يكن لها أي مبرر أبدا سوى تثبيت دعائم الحكم ، وتكريس ثوابت الاستبداد ، والاستيلاء على الثروات وتبديدها بما تقتضيه أهواءهم وشهوانيتهم .

وأما عن إثارة النزاعات التي حدثت في الشرق الأوسط ، نتيجة وعد بلفور المشئوم ، الذي أجاز إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين العربية ، فقد كان هذا الوعد ، مكافأة لليهود ، لقاء مؤامراتهم وخيانتهم لألمانيا ، وتسببهم في هزيمتها إلى حد كبير .

وهكذا تكون دول العالم قد استفادت من تلك الحرب ، وخرجت بتوجهات إيجابية نحو السلام والأمن ، وقادت عمليات إصلاح لم يعهدها التاريخ الغربي ولا الشرقي من قبل .. وعالمنا العربي ما زال يغفو في سبات عميق، وإلى أن يستيقظ من غفوته يكون العالم قد غادر هذه الأرض إلى كوكب آخر..





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع