دائرة الموازنة العامة أو كما يقال عنها الأداة المالية الأبرز من ضمن أدوات وزارة المالية ، خاصة في تخطيط البرامج والسياسات الحكومية ذات الأثر المالي ، والتي يعتبر دولة رئيس الوزراء الحالي أحد مؤسسيها ومدرائها . هذه الدائرة التي تعتبر بنك للمعلومات وللإحصاء عن وضع المالية العامة في الأردن ، وعن وضع التنمية البشرية في المؤسسات والدوائر الحكومية واحتياجاتها من التعيينات والوظائف المرتبطة والتي في الغالب ما ينظر لها ضمن المنظور المالي .
هذه الدائرة تعتبر خط الدفاع الأول عن استراتيجيات التخطيط الاقتصادي المنوي تنفيذها خلال الفترات ، فهي تقرر ما إذا كان بالإمكان تنفيذ هذه الخطط ومتطلباتها المالية والبشرية ، أم تأجيلها إلى أشعار آخر ، لحسابات تتعلق بمدير عام الموازنة شخصياً وتوجهاته الإقليمية وليس وفقاً لمتطلبات التنمية الفعلية في الأردن .
هذه الدائرة ممثلة بمديرها العام ضربت بعرض الحائط الكثير من التوصيات الحكومية المتعلقة بالأمن الاجتماعي وشبكة الأمان الاجتماعي ، وطالما أعطت تقديرات خاطئة عن عجز الموازنة وحجم المديونية العامة ، وعن حجم الدعم المفترض للموظفين الحكوميين ، وعن آلية تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية في الأردن ، وملف تمويل الجامعات، وغيره الكثير . وذلك لأن هناك استعجال وتخبط في أسلوب تقدير الإيرادات الحكومية المتوقعة ، كوني على معرفة تامة بعقلية مدير الدائرة وأسلوب عمله في تقدير بنود المالية العامة في الأردن ، والتي اعتقد أنها ساهمت برؤيتها الخاصة في إيصال الأمور إلى وضعها الحالي في الأردن.
مدير عام الموازنة يجيد لغة الكتابة النظرية إو الإنشائية لخطابات الموازنة العامة ولأرقامها التي يقرأها ويكررها وزراء المالية في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية ، دون الانتباه إلى صحة أو عدم صحة أو واقعية أو عدم واقعية هذه الأرقام ، وربما هذا سبب بقاءه وتقلبه مع عدد من وزراء المالية الذين يحسب عليهم هذا المدير ، ولعلاقته السابقة بهم في البنك المركزي الأردني ، ولأسلوب كتاباته .
هذه التقديرات تحتاج إلى رؤية ومنطق في التخطيط والربط مع مخرجات النمو الاقتصادي في كل سنة مالية ، والتوسع المالي في احتياجات الوزارات والمؤسسات المالية الأخرى ، وكيفية تحقيقها بشكل واقعي غير مبالغ فيه وبشكل يرتبط بحجم النشاط الاقتصادي الفعلي وحجم الاستهلاك الخاص والعام ( لأن ذلك يعكس إيرادات ضريبة المبيعات المكون الاكبر في الإيرادات الحكومية) ، مع التركيز على المطلوب فيما إذا كان إحداث نمو اقتصادي يزيد من حجم الاستهلاك ، أم ان حجم الاستهلاك بشقيه العام والخاص سبباً لإحداث النمو الاقتصادي .
كما تبرز أهمية استهداف التضخم في كل سنة مالية ، وهذا يعني ربط هذا السياسة المالية بالتنسيق مع السياسة النقدية بأن لا يكون هناك تضاد بين السياستين ، فالسياسة المالية الانكماشية تستدعي سياسة نقدية انكماشية في نفس الوقت والعكس صحيح ، وبالتالي نجد بأن مهمة الدائرة في السابق تتمثل في تجميل الأرقام خاصة عند عرضها على مجلس النواب ، دون ربطها بالواقع الاقتصادي الفعلي في الدولة .
دائرة الموازنة العامة بحاجة إلى تغيير في المنهجية والأسلوب وفي الهيكل التنظيمي بدءُ من قمة الهرم فيها ، وربما يجب إخضاع الإدارة العليا فيها إلى دورات متخصصة في وضع الخطط المالية قصيرة وطويلة الاجل وهي التي ركز عليها خطاب التكليف السامي الأخير ، خاصة إذا علمنا أن الدائرة بارعة في وضع الخطة المالية السنوية للدولة "قصيرة الاجل" طالما أنها على غرار لعبة التركيب المعروفة بالبزل "Puzzle " .
د.إياد النسور