عندما شعرت الذئاب الكبيرة - ذات البطون الممتلئة بما لذّ وطاب من لحم الشياه الصغيرة – أنّ اجتماعاتٍ مُريبةٍ قد عُقدت بين سكان المزرعة الصغيرة المسالمين ، شعروا أنّ أمراً ما سيحدث معهم ، وأنّ هذا الأمر ليس مبشّراً بخير.. سمعوا همهماتٍ غريبةٍ ونَقلت إليهم بعضُ الذئاب الصغيرة ، رثّةِ الفراء ، أنباءَ أفزعت سكينتَهم . انتفض ذئبٌ كبيرٌ ذو فراءٍ فضيّ لامعٍ وهو يتلمظ موجّهاً حديثَه لرفاقهِ الكبار : " الذئبُ الأشهب .. إنه السبب في ما نشعرُ به الآن من عدم الأمان .. طالما نبّهناه أن يكون حذراً عندما يصطاد فرائسه من سكان المزرعة ولا يلفت إلينا الأنظار، ولكنه أصرّ على التمادي.. أظنّ أن مصلحتنا تقتضي أن نُـلقيَ به إليهم ، فينسون أمرنا ويتلهّون به !!"
وسرعان ما توافقت الذئاب الكبيرة مع رأي صديقها ، ورأت فيه صالحها ، وبدؤوا يضعون الخطة .. نثروا آثاره هنا وهناك .. وسهّلوا تواجده في كل مكان يثير الشبهة .. وسرّبوا كثيراً من القصص – الواقعية وغير الواقعية – وتعمّدوا إيصالها لسكان المزرعةِ الآمنين - الذين طالما عانوا الأمرّيْن بسبب الذئاب – حتى تأكدوا من إطباقهم عليه ، وسنّوا لذبحهِ السّكاكين ، وحاصروه بما لا يدع مجالاً للشك في أنه واقعٌ لا محالة !! وعندما استنجد برفاقه الذئاب ، أشاحوا بوجوههم عنه محاولين الظهور بمظهرِ الوادع البريء .. فنظر إليهم نظرة ذات معنى وقال مقولته الشهيرة : " سقطوا ..يوم سقط الذئبُ الأشهب !!" .. وكان للذئب الأشهب أعوانٌ وأقرانٌ ..
كرهوا أن يسقط وحده ، وقد كان لهم ظهراً وسنداً .. فبدؤوا يحيكون المؤامرات للذئاب الكبيرة الأخرى ، ويتصيّدون أخطاءَهم وعثراتِهم ، حتى تَحقق ما جاء في المثل القائل : "عندما يختلفُ اللصوص ..تظهر المسروقات !!". ولم يَـفُتْ على سكان المزرعة الطيبين إدراك هذه الحيلة الخبيثة ، فجهّزوا كل ما يمكنهم لإسقاط ذئبٍ وراء ذئبٍ وراء ذئب .. وتدريجياً استعادوا مجدَهم المنهوب ، واستعادوا خيرات مزرعتهم المعطاءة ، فيما أعشاب الربيع تنمو وتزدان ..موحية ً بغدٍ أفضلٍ للجميع !! حمانا الله وإياكم من .. الذئاب !! ودمتم بكل خير..