منذ أن مضينا في مسار الخصخصة، بدأت ملامح الهيمنة تتسع لدى بعض الشركات ومؤسسات الخدمات التي انتقلت من ملكية الدولة إلى القطاع الخاص. فبدلًا من تحسين جودة الخدمة وتخفيض التكاليف كما كان يُروَّج، أصبحت هذه الشركات تتعامل مع المواطن بعقلية الجباية لا الخدمة، متحكمة بأسعار لا رقيب عليها، وقرارات لا تقبل المراجعة.
فمضت شركات الاتصالات الخلوية في هذه الفترة برفع أسعار خدماتها للمشتركين تدريجيا بسبب رفع الضرائب الحكومية عليها وغير ذلك من حجج واعذار واهية !!
حتى أصبح المواطن يتسائل عن دور الحكومة وموقفها في ظل الارتفاع المتكرر لأسعار الخدمات والسلع التي تم خصخصة شركاتها ومؤسساتها الوطنية .
المواطن الأردني اليوم يقف عاجزًا أمام فواتير الماء والكهرباء والاتصالات، دون أن يجد جهة تحميه من التغوّل أو تعيد له كرامته كـ"مستفيد"، لا كـ"دافع مجبر". والأخطر أن هذا كله يجري بعلم الحكومة، وربما برضاها، وكأن المواطن سلعة أخرى خضعت بدورها لصفقة الخصخصة.
لقد أصبحت بعض هذه المؤسسات فوق المساءلة، تستقوي بعقودها، وتتغول بتقنياتها، وتستثمر في ضعف الرقابة الرسمية لتفرض ما تريد، متذرعة بالكلفة التشغيلية أو الالتزامات التعاقدية. أما المواطن، فقد بات الحلقة الأضعف في معادلة لا عدالة فيها ولا إنصاف.
في وقتٍ تتحدث فيه الحكومات عن الشفافية والتمكين، لا بد من مراجعة جريئة وحقيقية لتجربة الخصخصة، ومحاسبة كل من يتربّح على حساب احتياجات الناس اليومية وحقوقهم الأساسية.
هل بقي من الخصخصة سوى شعارها؟
أم أنها تحوّلت إلى وسيلة لإفقار المواطن باسم التطوير؟