بقلم الدكتورة مريم احمد أبو زيد - قبل يوم من كتابة المقال استوقفتني مشاهد لتحقيق العدالة جلست أنظر من خلف زجاجة إلى العالم المتحرك في الخارج، تأملت مشاهد متعددة، وأدركت كيف أن الحياة ليست عادلة للجميع، بعضنا يولد في ظروف تمنحه فرصاً لا نهائية، بينما يكافح آخرون لمجرد البقاء.. ومع كل خطوة نخطوها نحو العدالة تتناثر قصص المعاناة، لكن الأمل يظل ينبض في قلوب من يسعون إلى رفع الظلم.
نبذل جهدنا في تحقيق هدف العدالة لرفع الظلم و نتذكر أن العدالة مبدأ يهدف إلى تحقيق المساواة والإنصاف في توزيع الحقوق والموارد داخل المجتمع، بحيث يتمكن الجميع من الوصول إلى الفرص نفسها دون تمييز. ضمن أربعة أبعاد أساسية هي: المساواة، وتكافؤ الفرص، والإنصاف المتمثل في اتخاذ تدابير تعويضية لضمان حصول الفئات الأكثر ضعفاً على الدعم اللازم لتحقيق العدالة الفعلية وليس فقط القانونية، وأخيراً الحقوق الأساسية لضمان بيئة عمل عادلة.
ان العدل لا يتحقق نتيجة لدراسة جامعية وأكاديمية مكثفة او ابحار في القوانين وتحليلها وتفكيكها وتطبيق النصوص فقط ان العدل فكرة وقيمة وهو لا ينفصل عن جملة من المعطيات الفطرية التي ولدت بها ولا يمكن فصلها عن الانا الأعلى، فعندما يفتقر داخلك للقيم الانسانية على سبيل المثال لا يمكنك عندها ان تكون عادلا مهما كنت رياضيا في تطبيقك للنصوص ان تكون انسان هذا في اعتقادي اول شرط لتحقيق العدالة والشرط الثاني ان تشعر بالانتماء للمكان باستمرار ان تشعر بانك مكلف في هذا المكان وان من واجبك ان تعمل على تحقيق العدالة ضمن ابعادها الاساسية.
ومن هنا ندرك حكمة مقولة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في رسالته المشهورة لأبي موسى الأشعري: "أما بعد، فإنّ القضاء فريضة مُحكمة وسنّة متّبعة، فافهم إذا أُدلي إليك بحُجّةٍ، وأَنفِذ الحق إذا وضح، فإنه لا ينفع تكلُّم بحق لا نفاذ له، وآسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً. ولا يمنعك قضاء قضيته أمس، فراجعت اليوم فيه عقلك وهُديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإنّ الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
ان الإجراءات والنصوص غايتها تعزيز الضمانات وحماية الحقوق وبلوغ أقصى درجات العدالة، ولا يمكن أن تكون الإجراءات غايتها وأدُ الحق أو جحوده، أو التنكر له، وليست الغاية إنكار العدالة. و مَن يتولى أمور الناس وتحمل المسؤولية والفصل في المنازعات يتّسم بالحياد المطلق، الذي يجعله لا يرى أشخاص المتخاصمين، فهو لا يرى إلا الموضوع مجرداً. وعليه، فإنّ المسؤول هو الذي يطوّع الإجراءات لحملها على نحو تصل به إلى إقرار الحقوق بإرساء العدالة وصيانة الحق، وإلّا فإن العدالة تكون عرجاء، ولن يتمكن القضاء من الوصول إلى الإنصاف والحقيقة لإرساء دعائم العدالة.
وكلما أغرق الشخص نفسه بالإجراءات، ولاذ بها، لتجنّب الفصل بالموضوع وإحقاق الحق، تمسّكاً بالشكل والإجراء، على حساب الحق، كان منكراً للعدالة وجاحداً لها، ولا يمكن أن يتصف هذا العمل بالعدالة، تحت أيّ حجة أو مبرّر. فالإجراءات والشكل إنّما قُرّرا لتيسير تحقيق العدل وبلوغه بكل ضماناته وأبعاده، لا جحده، ولا يكون ذلك بإشاحة الوجه عنه وتجنّب إبصاره ورؤيته وإحقاقه.
لذلك يجب ألّا تكون الإجراءات والشكليات حائلاً بين الشخص وبين بلوغ العدالة وإرساء الحقوق، ولا يجوز أن تكون الإجراءات والشكليات مدخلاً يغمط الحقوق ويجحد العدل. ولن تشفع الإجراءات والشكليات لقاضٍ أدرك الحق وعلمه وفهمه، فأشاح بوجهه عنه، تمسّكا بالإجراءات والشكل، ولم يُظهر العدل، الذي هو ميزان الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة. ولنحرص على الامتثال لقوله تعالى "وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِٓ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" . سورة النساء الآية 58
قالوا قديماً: لو أنصف الناس استراح القاضي. فمن شأن كل إنسان أن يرى تحقيق العدالة، ولكن الله الذي يشفق على جميع الناس، ويرأف بجميع الناس، لأنه يدرك كل شيء، إنه هو الواحد الأحد، إنه هو القاضي الأعلى.
لا تجازي....إن لك ربا يجازي..