بقلم: الخبير الأمني والعسكري المحامي محمد عيد الزعبي - لم تكن الضربة الإسرائيلية للعمق الإيراني حدثًا عابرًا، بل كانت شرارة أشعلت فتيل صراع يتجاوز جغرافيا المنطقة، ويمتد تأثيره إلى توازنات النظام الدولي. لقد اعتقدت إسرائيل أنها، كالعادة، ستوجه ضربة وتعود إلى صمتها، لكن حساباتها كانت قاصرة هذه المرة، لأن الطرف الآخر – إيران – لم يعد ذلك الذي يبتلع الضربات بصمت.
من يملك قرار الحرب ومن يملك قرار الإطفاء؟
نعم، إسرائيل بدأت الحرب بقرار منها، لكن استمرارها أو وقفها أصبح اليوم مرهونًا بإيران. فللمرة الأولى منذ عقود، نشهد تحوّلًا في قواعد الاشتباك. إسرائيل هي من أطلقت أول رصاصة، لكنها اليوم تنتظر الرد، وتتساءل بحذر: كيف سيكون؟ متى؟ وأين؟
هذا التحول الاستراتيجي يعني أن مركز القرار العسكري والسياسي لم يعد في تل أبيب أو واشنطن، بل في طهران. الرد الإيراني – سواء أتى من خلال صواريخ مباشرة، أو عبر وكلائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان – بات مسألة وقت لا أكثر.
المنطقة على برميل بارود
الخليج، بلاد الشام، العراق، وحتى البحر الأحمر... كلها اليوم جبهات مفتوحة. الحرب لم تعد تقليدية، بل أصبحت حرب أذرع وأدوات، نفسية وسيبرانية، اقتصادية وعسكرية.
الأردن، على سبيل المثال، اتخذ موقفًا واضحًا ووطنيًا؛ أعلن أنه ليس طرفًا في الحرب، لكنه لن يسمح بانتهاك سيادته أو استخدام أجوائه، واعترض طائرات مسيّرة وصواريخ كانت في طريقها إلى أهداف مجهولة. رسالة أردنية عميقة مفادها: "لسنا ساحة لتصفية الحسابات".
المواقف الدولية: العالم في مأزق
الولايات المتحدة، الداعم الأول لإسرائيل، تقف الآن على صفيح ساخن: فهي لا تريد حربًا إقليمية واسعة قد تقلب المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، خصوصًا في عام انتخابي، لكنها لا تستطيع كبح جماح إسرائيل أو تجاهل الرد الإيراني.
روسيا، المنخرطة أساسًا في أوكرانيا، ترى في هذه الحرب فرصة لتوسيع نفوذها وكسر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
الصين تتابع بصمت، لكنها تدرك أن اشتعال هذه الجبهة قد يدفع واشنطن إلى الإنهاك، ويفتح المجال لشرق آسيوي أكثر استقلالًا.
هكذا نعود إلى منطق الحرب الباردة... لكن هذه المرة، في قلب الرمال العربية.
الإعلام ساحة معركة
الحرب الإعلامية لا تقل ضراوة عن الصواريخ والطائرات. إسرائيل تروّج لنفسها كضحية دفاعية، وإيران تسوّق خطاب "الردع المشروع"، وكل طرف يسعى لحشد الرأي العام العربي والدولي إلى صفّه. لكن الشارع العربي، المنهك من تناقضات الخطاب الإسرائيلي، بات أكثر ميلاً لتصديق الطرف الذي يتعرض للضرب، لا من يضرب.
إشارات لحرب عالمية ثالثة؟
المخاوف تتزايد. فماذا لو:
قصفت إيران قاعدة أمريكية بالخليج؟
أطلقت إسرائيل سلاحًا نوويًا تكتيكيًا ضد منشأة نووية؟
انهارت دولة إقليمية بسبب الضغوط؟
وقع خطأ في التقدير على أي جبهة؟
كلها سيناريوهات قريبة وممكنة، وكلها قادرة على إشعال صراع عالمي يتجاوز الشرق الأوسط. شرارة الحرب العالمية الثالثة تلوح في الأفق، وتاريخ 2025 قد يُسجَّل كعام بداية زلزال جيوسياسي لم يشهد العالم مثله منذ أكثر من 80 عامًا.
خاتمة: العالم يتأرجح على حافة الهاوية
إسرائيل أشعلت النار، لكن إيران تمسك بقرار الإطفاء... أو السكب بالمزيد من البنزين. والمجتمع الدولي يقف مشلولًا، مرتبكًا، دون قدرة حقيقية على فرض التهدئة.
وإن لم يُسارع الجميع – دولًا وشعوبًا – إلى الوقوف بحزم أمام هذا الانزلاق الخطير، فإننا سنشهد ما لم تشهده البشرية من قبل: حربًا تبدأ من سماء طهران وتل أبيب... وتنتهي في شوارع العواصم العالمية