في خضم الحياة العامة والسياسية، تتجه الأنظار نحو المسؤولين وصناع القرار، لا سيما الوزراء، فكل خطوة يخطونها، وكل قرار يتخذونه، يكون تحت المجهر. وبينما يُعد النقد البنّاء أساسًا لأي عملية إصلاح وتطوير، فإنه في بعض الأحيان يتجاوز هذا الحد ليتحول إلى ما يُشبه التسلط، والسعي الحثيث لـ "مسك أي غلطة" على الوزير. هنا، يطرح السؤال نفسه: هل هذا الاهتمام المبالغ فيه يندرج ضمن إطار النقد الهادف للإصلاح، أم أنه مجرد انتقاد يخدم مصلحة شخصية؟
إن جوهر الديمقراطية ومبدأ المحاسبة يتطلبان من الجميع، أفرادًا ومؤسسات، متابعة أداء الوزراء وتقييمه. فالنقد الموضوعي الذي يستند إلى حقائق وأرقام، ويقدم حلولًا أو بدائل، هو بمثابة مرآة تعكس مواطن الخلل، وتوجه الوزير نحو تحسين الأداء وتجويد الخدمات. هذا النوع من النقد يساهم في تعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد، وضمان أن تكون القرارات المتخذة في صالح الوطن والمواطنين. إنه جزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح الشاملة.
ولكن، عندما يصبح الهدف الأسمى هو اصطياد الأخطاء، بصرف النظر عن حجمها أو تأثيرها، وعندما تتجاوز المتابعة حدود الرصد إلى حد التربص، فإننا ندخل منطقة مختلفة تمامًا. قد نرى حملات منظمة، أو مقالات متتالية، أو تعليقات لاذعة، جميعها تركز على نقطة ضعف واحدة، أو زلة لسان، أو خطأ إداري يمكن تلافيه. هذا التركيز المفرط على الجانب السلبي، وتضخيم الأخطاء، قد يوحي بأن هناك أجندة خفية لا تهدف إلى خدمة الصالح العام.
يكمن الفارق الجوهري بين النقد للإصلاح والانتقاد للمصلحة الشخصية في الدافع والغاية. النقد الهادف للإصلاح ينبع من الحرص على تقدم المجتمع، وتحسين الأوضاع، ومحاربة التقصير. بينما الانتقاد الذي يخدم المصلحة الشخصية قد يكون مدفوعًا بالرغبة في تحقيق مكاسب سياسية، أو تشويه سمعة الوزير لإزاحته من منصبه، أو حتى لأسباب شخصية بحتة لا علاقة لها بأداء الوزير أو مصلحة الوطن. هذا النوع من الانتقاد غالبًا ما يتجاهل الإيجابيات، ويتعمد تجاهل السياق، ويركز على تضخيم السلبيات بطريقة غير متناسبة.
إن على المتلقي، سواء كان مواطنًا عاديًا أو وسيلة إعلامية، أن يتمتع بالوعي والفطنة ليميز بين النقد الحقيقي الذي يهدف إلى البناء، وبين التسلط الذي يحركه الكيد أو المصلحة. يتطلب ذلك قراءة متأنية، وتحليلًا عميقًا للدوافع، ومقارنة بين الطرح وما يقابله من حقائق.
في الختام، إن مسؤولية الجميع تكمن في دعم النقد البنّاء الذي يسهم في رفعة الوطن، وفي الوقت ذاته، رفض أي محاولة للتسلط على الوزراء أو أي مسؤول آخر بهدف تحقيق مكاسب شخصية أو أجندات خاصة. فالإصلاح الحقيقي لا يبنى على هدم الأشخاص، بل على تقويم الأداء وتصويب المسار.
حفظ الله الاردن والهاشمين
نضال انور المجالي