في قلب الجغرافيا العربية، هناك جرحٌ لم يندمل، وآهةٌ لا تهدأ، ونارٌ تحت الرماد لا تنطفئ... إنها غزة .
تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي تحولت إلى رمزٍ للصمود، وعنوانٍ للوجع، وشاهدٍ على خذلانٍ عالميٍّ لا ينتهي.
غزة ليست مجرد مدينة محاصَرة، بل هي قصة شعبٍ ينهض من تحت الركام، يتحدى الموت كل صباح، ويزرع الأمل في تربةٍ ارتوت بدماء الأبرياء .
في غزة، الطفل يولد على وقع القصف، ويكبر على أنقاض البيوت، ويحلم بحياةٍ كريمة رغم أن العالم من حوله خذله، وتآمر عليه الصمت .
غزة تنزف... ليس فقط من نيران القذائف والغارات، بل من خذلانٍ عربي ودولي يفاقم الألم، تنزف من قسوة الحصار، من حرمان الدواء والغذاء والماء والكهرباء، من حرمان أبسط الحقوق الإنسانية، ومن مشهد الأمهات وهنّ يحملنَ أطفالهنَّ شهداء على أكتاف الوجع .
كيف يمكن للإنسان أن يبقى صامتًا أمام مشهد مستشفى يضجُّ بالجرحى ولا دواء ؟!
كيف لا تنكسر القلوب حين ترى عائلات تُمحى من السجلّات المدنية في لحظةٍ واحدة ؟!
غزة ليست فقط تذكرةً بالمأساة الفلسطينية، بل هي اختبارٌ يوميٌّ لإنسانيتنا .
العالم الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان يقف صامتًا أمام مجازر غزة، وأحيانًا ينحاز للجلاد، بيانات الشجب والاستنكار لا توقف حممَ الصواريخ، ولا تعيد طفلًا إلى حضن أمّه، ولا تمحو مشهد أبٍ يحمل جثة ابنه بين يديه ويبكي بصمت العاجزين .
غزة تواجه وحدها، لكنها لا تنكسر. تقاتل بالحياة، تقاتل بالأمل، تقاتل بالإيمان العميق أن الحق لا يُنسى، وأن الأرض لا تموت، وأن الشعوب لا تُقهر طالما في عروقها نبض كرامة .
من رحم الألم، تصرخ غزة: "أنا باقية" رغم الجدران، رغم الدمار، رغم المؤامرات .
هي نبض فلسطين، وهي ذاكرة الأمة، وهي منارةٌ في زمن التخاذل .
من حق غزة علينا ألا نُشيح بوجوهنا عنها، ألا نعتاد أخبار المجازر وكأنها طقسٌ يومي .
من حق غزة أن نرفع صوتها في المحافل، في الإعلام، في القصائد، وفي الدعاء .
من حق غزة أن نتذكر أن الصمت جريمة، وأن التضامن موقف، وأن الكلمة في وجه الظلم مقاومة .
ختامًا...
غزة ليست جرحًا بعيدًا، بل هي جرحنا نحن .
إنها ليست مأساة فلسطينية فقط، بل وصمة على جبين الإنسانية جمعاء .
فلتكن غزة في قلوبنا، في ضمائرنا، وفي أفعالنا، لأنها ببساطة... تختصر كل ما بقي من شرفٍ في هذا الزمن الصعب .
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي