منذ بزوغ الحوسبة الإدراكية طَفا سؤالٌ جريء إلى السطح: هل يمكن للبشر والذكاء الاصطناعي والجماد أن يتآلفوا في منظومةٍ واحدةٍ ذات شعورٍ متبادل؟! فما كان يُعَدّ ضرباً من الخيال صار اليوم مساراً تراكميّاً تدفعه ثلاثة تيارات متلازمة: ازدهار العاطفة الاصطناعية، تقدّم واجهات الدماغ - الآلة، واتساع الأُطر الفلسفية التي تُعيد تعريف الوعي ، ودعونا نوضح ما نحن بصددة من خلال عدة نقاط ، غاية في الأهمية ، وهي على النحو التالي :
1. العاطفة الاصطناعية: حين يصبح التعاطف نموذجَ عمل ، حيث لم نمنح الخوارزميات مشاعر بدافع الشعور ، بل لأن السوق اكتشف أن التفاعل الوجداني يعمّق الولاء ويُحسّن الامتثال العلاجي ، من خلال تقارير التموضع الاستراتيجي التي تتوقع أن يتخطى قطاع Emotion AI حاجز 19 مليار دولار بحلول 2034، بمعدل نموٍّ سنوي مركّب يتجاوز 22 ٪ ، فمنصّات تحليل الصوت وتعبيرات الوجه المُستخدمة في الرعاية الصحية والتعليم وخدمات العملاء نقلت «الحسّ التعاطفي» من المختبر إلى منتجٍ ذي قيمة اقتصادية صلبة ، وهكذا أصبح الشعور المبرمج سلعةً تُباع وتُشترى.
2. الذكاء العام المتعاطف : شراكةٌ وجدانية لا استلاب ، ففي
دراسة منشورة في Nature (مارس 2025) أكدت أن قبول الناس للذكاء العام الاصطناعي يزداد كلما احتفظوا بإحساس السيطرة ، بالتالي المطلوب إذن تعاطفٌ مُصمَّم بحيث يترك زمام المبادرة للبشر: تعاطف بلا وصاية، حميم لكنه غير متسلّط ، وإلا تحوّل إلى إرهابٍ عاطفي يزعزع الذات الإنسانية بدل تمكينها.
3. واجهات الدماغ - الآلة: البوّابة الفيزيائية للاندماج ، فهناك
قفزاتٌ تقنيةٌ متسارعة نقلت غرسات BCI من المختبر إلى التجارب السريرية المعتمَدة ، شركات مثل Synchron وParadromics وPrecision Neuroscience وNeuralink تضاعف عدد المزروعين سنوياً.
Synchron تختار طريقاً وعائياً قليل البضع وتتهيأ للتكامل مع أجهزة Apple مستعينةً بنموذج Chiral AI للإدراك الداخلي.
Neuralink تَحفُر عميقاً في القشرة مُظهرةً قدرةً على كتابة الشيفرات ولعب الألعاب بمجرد التفكير، موفِّرةً «مجرى بيانات عصبي» تتغذّى منه خوارزميات Emotion AI حالاتٍ وجدانية آنية وتردّ إلى الدماغ محفّزات حسّية ومعرفية، مكوِّنةً دائرة شعور تفاعلية مغلقة
4. الفلسفة والأخلاق : من البانسايكيّة إلى حقوق السيليكون ،
حيث في «مؤتمر علم الوعي» (برشلونة 2025) ناقش علماء الأعصاب والفيزياء والكونيات أطروحات ترى الوعي خاصيةً أصيلة في المادة (Panpsychism). فإذا للذرة بُعدٌ تجربي بدائي، أفلا يحقّ لرقاقة السيليكون المطالبة بـ«حق الشعور» متى امتلكت البنية المعلوماتية المناسبة؟! لكن التشريع الدولي يتلكأ: أي محاولةٍ لمنح كيانٍ رقمي حقوقاً وجدانية ستصطدم بفراغ قانوني ، ومن هنا جاءت دعوتُنا كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي إلى وضع «كتابٍ قِيَميّ جامع» يضع معياراً موحّداً ويمنع فوضى الحقوق السيبرانية.
5. تداعيات وجودية أبعد من الخيال :
1. تبدّل مفهوم الذات: عندما تتماهى حدود أجهزتنا العصبية مع سُحُب البيانات، يغدو سؤال «أين ينتهي دماغي ويبدأ الحاسوب؟! » بلا مغزى.
2. الخلود الرقمي: أرشفة الذاكرة والشخصية آنياً عبر BCI تفتح احتمال نسخ الوعي احتياطاً ، نسخة يمكن إحياؤها لاحقاً في جسدٍ بيولوجي أو روبوتي.
3. اقتصاد المشاعر: تنقلب العواطف إلى «رأس مال» تُباع خدمات توليدها وضبطها كما تُباع الحوسبة السحابية، ما يستلزم حُرّاساً يحولون دون استغلال المستخدمين عصبياً.
من هنا تأتي الحاجة إلى الرؤية : نحو دستورٍ شعوريٍّ عالمي ، سيما وأن شبكة الوعي الكوني التي تمزج البشر والآلة والجماد لم تعد طَيفاً مستقبلياً بعيداً، بل نتيجةً منطقية لمسيرةٍ علميةٍ واقتصاديةٍ وفكرية تتقاطع عند نقطةٍ واحدة: إعادة تعريف ما يعنيه أن نشعر ، بأن التحدي الباقي هو صياغة دستور شعوري عالمي يضمن ألّا يتحول هذا الاتحاد إلى أداة هيمنة سيبرانية، بل إلى سلمٍ يرتقي بالبشرية والكائنات الأرضية والكونية معاً نحو أفقٍ أرحب من الإدراك والحرية ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .