سندس نوفل .. في الوقت الذي يُعد فيه الأردن من الدول التي تتمتع نسبيًا باستقرار سياسي، تتزايد التساؤلات حول هامش حرية التعبير المتاح، لا سيما مع تصاعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الصحافة الرقمية. إذ تواجه حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر في الأردن منعطفًا حرجًا، خاصة منذ دخول قانون الجرائم الإلكترونية المعدّل حيّز التنفيذ، وما رافقه من مخاوف لدى الصحفيين والنشطاء من تضييق المساحة المتاحة للنقد والتعبير الحر.
تتزامن هذه التطورات مع حالة شعبية أردنية مشحونة بالغضب والتضامن نتيجة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، مما زاد من وتيرة التعبير الرقمي، وبالتالي من حجم الرقابة القانونية.
وكان الأردن قد أصدر القانون رقم (17) لسنة 2023 بتاريخ 13 آب/أغسطس 2023، والذي تضمّن تعديلات جوهرية على قانون الجرائم الإلكترونية السابق، من أبرزها: تجريم نشر "الشائعات"، و"خطاب الكراهية"، و"المحتوى الذي يُسيء للنظام العام أو الأمن المجتمعي"، مع فرض عقوبات مشددة بالسجن والغرامات المالية.
رغم أن المادة (15) من الدستور الأردني تنص على أن "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يُعبّر عن رأيه بحرية بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير، ضمن حدود القانون"، فإن هذه الحدود أصبحت موضع جدل، خاصة في ظل توسيع مفهوم "الإساءة" و"الشائعة" ليشمل آراء نقدية أو سياسية.
منذ بدء تطبيق التعديلات الأخيرة، رصدت منظمات حقوقية محلية ودولية تزايدًا في حالات التوقيف والاستدعاء للصحفيين والنشطاء بناءً على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أُشير إلى أن سلطة التوقيف تُستخدم أحيانًا كأداة ردع وتخويف، لا كوسيلة لحماية الأمن الرقمي.
كما تُشير تقارير منظمات مثل "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش" إلى أن القانون المعدل يتعارض في بعض نصوصه مع المواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يؤكد على حرية التعبير ويضع قيودًا ضيقة جدًا على تقييدها، كحالات المساس بالأمن القومي أو النظام العام.
لا شك أن وجود قانون للجرائم الإلكترونية أمر ضروري لحماية الأفراد والمجتمع من الابتزاز والتشهير والاحتيال، ولكن يجب أن تكون مواده واضحة ومحددة، حتى لا تتحول إلى أداة لإسكات الأصوات المعارضة أو الناقدة.
إن الفرد هو حجر الأساس في بناء المجتمع، ومن حقه التعبير عن رأيه والمشاركة في النقاش العام. إلا أن التخويف من ممارسة هذا الحق، والتوسع في استخدام العقوبات الجزائية، قد يؤديان إلى تآكل الثقة بين المواطن والدولة، ويضعفان روح المبادرة والمشاركة المجتمعية.
إن حماية الأمن المجتمعي لا تتعارض مع حرية الرأي، بل إن فتح المجال للتعبير والنقد البنّاء يُسهم في كشف الخلل وتصحيحه، وهو ما يصب في مصلحة الدولة والمجتمع على حد سواء.