- بقلم:- عاطف أبوحجر - -السلط مش مدينة وبس… السلط حكاية، تنحكى بقلوب الناس قبل السطور، تنقال بكل فخر، ويكفي تقول “أنا من السلط” لتشوف الهيبة بعيون اللي حواليك.
مدينة طالعة من صدر الجبل، حجرها أصفر بس معدنها ذهب. من أول البلد لآخرها، كل حارة إلها سيرة، وكل دار إلها وقفة. هون، السلطية بقولوا: لا حارة ولا كراد كلنا سلطية "أبيش حدا بضيع عنا، وأبيش ضيف بيروح زعلان."
السلطية رجال شِدّة، وهزّتهم إلها وزن، بتسلم عليه بتحس الدنيا عادت لمحلها. ورا الهزّة في شدّة على اليد، وصوت جهوري بقول: "حي الله الزلم!"
منسف السلط؟ ما فيه زيه، جميد كركي أصلي، سمن بلقاوي نادر، واللحم بلدي مش مستورد!
السلطية ما بيستنوك تعزم،بتفتح المضافة لحالك، والقهوة دايمًا "عالوجه"، وإذا زعلت... بزعلوا معك.
قلعة السلط: شامخة فوق الجبل، تحكي عن أيام الحماية، وعن رجال كانوا درع للبلد.
السرايا القديمة: دار الحكومة، أيام الطيبة، والهيبة.
قصر أبو جابر: التراثي تحفة من الفخامة، بوابته كأنها مدخل لفصل من تاريخ.
الوكالة: مركز البريد زمان، كان يربط السلط بالعالم، والناس تستنى المكاتيب عباب الدرج.
الساحة: قلب السلط النابض، حاراتها شاهدة على سوالف وسهرات وبيع وشراء ومحبة.
العيون المائية: - قبل الشبكات والمواسير، كانت الميّ من العيون، وكانت العيون قلب السلط النابض، تسقي الناس، الدواب، والبساتين. وكل عين إلها اسم وحكاية، ومن أشهرها:
- عين الخندق قرب القلعة والتى لازال جاريه وتمر بسفح جبل الخندق ومن تحت المسجد الكبير بوسط البلد وكانت تغذي العيون الموجودة بوسط منطقة الساحة وهي عين النساء وعين الرجال وعين الدواب أكرمكم الله،وتمر بعين الزعطوطه بمكان مدرسة عقبة بن نافع،وتمد مرورا بعين الفرخة والديك وعين حزير وعين المكرفت، وتصل المياة الزائدة إلى منطقة وادى شعيب وصولا إلى البحر الميت.
-عين الجادور بسفح جبل مدرسة السلط الثانوية والتى كتب بها المرحوم الشاعر عبدالفتاح حياصات وغناها سنديانة الفن الأردني الفنان توفيق النمري وغنى ،يلا على واد السلط تنلم زهور سيروا برحلة جميلة بهجة وسرور،وأن عطشنا بتروينا عين الجادور فتح نور الورد ،هذة العيون مش بس مي… كانت حياة، ولقاء، وذاكرة ما بتنمحى.
السلط جمعت المآذن والأجراس، وسَمِعت “الله أكبر” جنب “السلام لكِ يا مريم”.
الجامع الكبير: بصوته يعمّ السوق، يذكّرك إنه السلط دايمًا حاضرة.
كنيسة الروم وكنيسة اللاتين : بيوت عبادة من زمان، أهل السلط ما فرقهم دين… المسيحي بيحضر عزيمة المسلم، والمسلم بيبارك بالعيد.
ناس السلط غير، "أهل نخوة"، "أهل كلمة"، و"أهل شيمة".
من تحكي معهم، بتسمع:
"خد راحتك يا خال، الدار دارك." ولو جينا لاغاني المناسبات،مااجمل شعورك بس تسمع أغنية عمر العبداللات "على طريق السلط"، بتحس بدبّ الحماس في عروقك، حتى لو كنت قاعد، ولا ماشي او قاعد بالسيارة.،فجأة بتلقى حالك بتصفّق، بتحرّك راسك، وبتقول: "آه يا سلط!"
وإذا كنت بحلقة دبكة؟ خلص... هون بتولع معك! بتصير رجليك تسبقك، والدبكة بتصير مهرجان.
وما إن تسمع "أنا سلطي ويانيالي" بصوت الفنان العراقي بشير الغزالي، إلا وبتنقلب الحالة! صوتو بيشبكك بالهوية، بتحسّك إنك ابن هالطين، ومربّى عالأصالة، والكرم، والنخوة، والكبرى السلطية اللي ما بتهزها ريح.
هاي الأغاني مش بس كلمات وألحان، هاي شريان بيربطك بجدودك، بحارات السلط، بحيطان البيوت القديمة، بصوت السّلام من الشباك، بريحة خبز الشراك وخبز التنور، وبضحكة الناس اللي عالنية.
الحماس اللي بيجي منها مش طبيعي… هوس، مليان شوق واعتزاز… وكأنك بتغنّي بلسان كل اللي سبقونا وقالوا: "هون السلط، وهون الأصل!"
وإنت ماشي بشوارع السلط العتيقة، بين الحارات الحجرية والبيوت اللي بتشمّ من حجارتها ريحة الأجداد ، بتكون الأغاني هالأيام مش بس موسيقى، هاي نبضك. يدوّي من خلال السماعات وبتحسها بصدرك… بتصير تمشي وراسك مرفوع، وكأنك حامل معك كل تاريخ السلط، بكل فخر.
يا ما غنّينا على ادرج السلط، ويا ما عملنا دبكات على صوت الشبابة ، ما في حدا ما مرّ من ورا دكّة أو طلعة إلا وهو يقول: "يا الله ما أحلى السلط وأيامها!"
وكل ما تشتد نغمة وتعلو، بتعلو معها الروح… وبتذكّر حالك إنك ابن مدينة الكرامة والعزة، مدينة المثقفين والفنانين، مدينة العيون، والنشامى، والقامات اللي ما بتنوطي.
الأغنية بتصير نداء… مش بس للسلطية، لكل أردني أصيل، ولكل عربي بحبّ التراث الصافي. ومن يسمعها، يعرف إنو هون الأردن، وهون السلط، وهون القلب.
"أبيش شي أغلى من الطيب."
"عزوتي وناسي يا بعد قلبي."
"يِستر عرضك، إنتو الأصل."
السلط مش حكاية بتنقال… السلط حكاية بتنْعاش.
بكل حارة، في سر…
بكل ديوان، في عز…
بكل قلب، في محبة.
السلط حكاية… ولسّا الحكاية ما خلصت.