جاء مشروع تعديل قانون التنفيذ الشرعي في سياق سعي المشرّع لمواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، عبر مقاربة جديدة تهدف إلى تحقيق توازن بين إنفاذ الأحكام الشرعية من جهة، والحفاظ على كرامة الإنسان وظروفه الواقعية من جهة أخرى، ويُعد إدخال وسيلة المراقبة الإلكترونية كبديل عن الحبس من أبرز ملامح هذا التعديل، حيث يمنح هذا الإجراء المحكوم عليه فرصة للعمل وكسب الدخل، ما يعزز قدرته على الوفاء بالتزاماته.
يعكس هذا التوجه فهماً أعمق للواقع، إذ إن الحبس، رغم كونه أداة قانونية رادعة، قد يتحول في كثير من الأحيان إلى عائق يحول دون السداد، لا وسيلة إليه، فالعديد من المحكوم عليهم لا يمتنعون عن السداد عمداً، وإنما يعجزون عن ذلك بفعل أوضاع اقتصادية قاهرة، ومن هنا فإن فتح المجال أمامهم للعمل ضمن إطار رقابي قانوني، يُعد تجسيداً لعدالة إصلاحية تراعي المعطيات الاجتماعية والاقتصادية.
غير أن هذه التعديلات تطرح في الوقت ذاته تحديات تتعلق بالفعالية التنفيذية، إذ لا بد من وجود ضوابط دقيقة تضمن عدم تحوّل البدائل القانونية إلى وسيلة للمماطلة أو التهرب، فالحقوق الشرعية، خصوصاً في قضايا النفقة التي تمسّ المرأة والطفل، لا تتحمّل التأخير أو التراخي في تحصيلها وعليه، فإن اعتماد بدائل الحبس لا ينبغي أن يتم بمعزل عن رقابة صارمة وآليات متابعة دورية لمدى التزام المحكوم عليه بالعمل والسداد.
كما تبرز ضرورة وضع آلية واضحة للتفريق بين أنواع الديون، فديون النفقات تختلف في طبيعتها عن الديون المالية الأخرى، وتستوجب معاملة خاصة تضمن الوفاء السريع بها، وفي الوقت نفسه ينبغي اعتماد تدرج تنفيذي في العقوبة، يبدأ بالبدائل وينتهي بالحبس في حال الإخلال بإلتزامات السداد، دون تهاون أو تعسف.
تطبيق هذه التعديلات يتطلب أيضاً تقدير كل حالة على حدة، بما يراعي نية المحكوم عليه وظروفه الواقعية، مع ضرورة وضع حدود واضحة لقيمة الدين التي تستدعي الحبس، منعاً لاستعمال الحبس في القضايا ذات المبالغ البسيطة، وضماناً لفعالية التنفيذ في القضايا ذات القيمة الكبيرة.
ومن الجوانب الأساسية أيضاً، ضرورة إنشاء سجل إلكتروني للمحكوم عليهم، يُسهم في تصنيفهم بناءً على مدى التزامهم بالسداد، ويُتيح للجهات المختصة اتخاذ قرارات تتناسب مع سلوكهم القانوني، بما يمنع التعميم ويُحقق العدالة في التطبيق.
إن التعديلات على قانون التنفيذ الشرعي، رغم ما تحمله من نوايا إصلاحية واضحة، لن تُحقق أثرها المرجو ما لم تُدعَم بضمانات قانونية وتنفيذية راسخة، تضمن حماية الحقوق دون إفراط أو تفريط. فالتطوير التشريعي ضرورة لا يمكن إنكارها، لكنه يجب أن يتم ضمن منظومة متماسكة تحافظ على هيبة القانون وتُعزز من ثقة الأفراد به، بما يضمن الوصول إلى عدالة متوازنة، تُراعي الواقع وتحمي الحقوق في آنٍ واحد.