بقلم: عاطف أبو حجر - في صَباحٍ هادئٍ في أحدِ أحياءِ السَّلط، عادَ "أبو عزيزٍ" إلى منزلِه وهو يقودُ شاحنتهُ الصَّغيرة، مُحمَّلًا بكَنَبةٍ جديدةٍ مُغلَّفةٍ بعنايةٍ. بجانبِه جلست زوجتُه "أم عزيزٍ"، مُتحمِّسةً كأنَّها تنتظرُ قطعةَ أثاثٍ ستحوِّلُ بيتَهما إلى عالمٍ من الدفءِ والحنان.
قالت بابتسامةٍ عريضة:
"هالكنبة رح تغيِّر حياتنا!"
لكنَّ أبا عزيزٍ لم يكنْ بنفسِ الاندفاعِ، بل كان يتلفَّتُ حولَه كمن يتوقَّعُ مفاجأةً غيرَ سارَّةٍ، ويتمتِمُ بتوتُّر:
"الله يستر من الجيران... خاصة أم عماد!"
وما هيَ إلَّا لحظاتٌ، حتّى ظهرت أم عماد من شُرفةِ بيتِها كعادتها، تمسكُ فنجانَ القهوةِ بيدٍ، والفضولَ باليدِ الأخرى.
"يا أبو عزيز! شو هالكنبة؟! ولا سِجّاد؟! لمين؟! ولويش لفّينها هيك زيّ المومياء؟!"
حاولَ أبو عزيزٍ الردَّ بأقلِّ قدرٍ ممكنٍ من الكلمات:
"هاي كَنباية، مش سِجِّلون... للرّاحة... لراحة البال... الله يهدِّك، قصدي يهدي بالك..."
لكنَّ أم عمادٍ لم تكتفِ، بل زادت من لهجتِها الساخرة:
"ممممممم؟ يعني فهّموني، بدي أعرف... إذا ما عرفت بَطِق وبِقَع!"
في تلك اللحظة، بدأت عيونُ الجيران تطلُّ من النوافذ، والهمسات تنتشرُ كالدُّخان. شعرَ أبو عزيزٍ أنَّ الكَنبةَ أصبحت قضيَّةَ الحيِّ بأكمله. ارتبكَ أكثرَ، وتلعثم، ثم فجَّر غضبَه:
"أنا تبع رومانسية، يا أم عزيز؟! أنا مِليش حظ! الناس كلها بتتفرَّج علينا!"
حاولت أم عزيزٍ تهدئتَه بلُطف:
"هاي الكنبة إلنا، للراحة... مش مهم شو الناس بتحكي!"
لكنَّ الضغطَ كان أكبرَ من احتماله. بعصبيَّة، أعادَ الكنبةَ إلى الشاحنة، ثم بدأَ بتكسيرِها بـ"جك البنشر"، وكأنَّها خذلَته. صاح غاضبًا:
"كنبة رومانسية؟! والله صارت كنبة فضيحة!"
ومن شرفتها، أطلقت أم عماد تعليقها الأخير، وكأنها تختم عرضًا مسرحيًّا:
"اللي بيعرف شو بدّه، ما بيكسّر ولا بيهرب!"
وفي النهاية، لم تَبقَ كنبة، لكن بقيت الضحكة، وابتسامةٌ خفيفةٌ بين أبو عزيز وأم عزيز، كأنَّ كلَّ ما حدث لم يكنْ إلّا مشهدًا طريفًا من يومٍ عادي.