في زمن التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة ، لا خيار أمام الأردنيين سوى إعادة تعريف علاقتهم بالدولة كضمانة للاستمرار والبقاء ، وهنا قد يبدو حديثنا كمؤسس للهيئة الجليلة غريباً ، ونحن نتحدث بكافة محافلنا ومجامعنا الإنسانية على المستوى العالمي ، في مرحلة ما بعد الدولة ، ليس في حدود الشرق الأوسط ، وإنما عالمياً ، سيما وأننا نرفع راية " الحكومة العالمية " في العلن ، إلا أن خصوصية الأردن" المجمع الإنساني الأعظم على المستوى العالمي " تجعلنا نعيد النظر ببعض المسلمات ، في ظرف لم تعد الدولة خيارًا للأردنيين بين عدة بدائل ، في زمن التصدعات السياسية وتراجع الإقليم إلى مربعات القلق، بل صارت الدولة الأردنية – بكل ما تمثله من هوية وإرث ومؤسسات – هي الحصن الأخير الذي يمكن الاتكاء عليه في مواجهة المجهول ، وقد آن الأوان لتتحرر فكرة الدولة من قبضة الشعارات المؤقتة، ولينتقل الحديث عنها من أطراف النقاش إلى صلب الاهتمام ، فالدولة ليست مجرد خريطة مرسومة على الورق، ولا هي غنيمة تتنازعها الولاءات الدينية أو الحزبية أو العابرة للحدود ، الدولة عقد جامع، وهوية متجذّرة، ومسؤولية يشترك فيها الجميع ، و
اليوم، يبرز صوت جديد في الشارع الأردني – خاصة بين شبابه – يبحث عن معنى للانتماء، لا على طريقة التقليد، بل من منطلق الوعي المتجدد ، وهذا الصوت لا يبحث عن أوهام، ولا يطلب امتيازات، بل يطالب بحقه في الشراكة الكاملة مع الدولة، في بنائها وحمايتها وتصويب مسارها ، ومن الطبيعي أن نختلف، وأن ننتقد الأداء العام، وأن نطالب بالإصلاح والتغيير، ولكن من غير الطبيعي – بل من الخطر – أن يتحول هذا النقد إلى تقويض لمفهوم الدولة ذاته، أو إلى تسويق لخطابات بديلة تستثمر في الغضب لتفكك ما تبقى من الثقة الوطنية ، وما نحتاجه ليس خطابًا شعبويًا أو انفعاليًا، بل مشروع وطني متكامل يُعيد الاعتبار للدولة، دون أن يجعل منها صنمًا، ويُعلي من شأن الهوية الوطنية، دون أن يعزلها عن محيطها العربي والإنساني في آن معاً ، والأردن ليس حالة مؤقتة، ولا تفصيلة صغيرة في دفتر السياسات الدولية ، بل هو وطن تشكل عبر دماء وتضحيات وبُناة صنعوا من الصحراء وطن ، نتحدث عن رهاننا الإنساني حتى فيما بعد تشكيل " الحكومة العالمية" والدخول في مفاهيم ما بعد الدولة عالمياً ، نعم ، ولكن أمامنا تحديات هائلة يا سادة ، داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية وأمنية ، وهناك عدو متربص على الحدود، وأزمات تهدد الاستقرار، وتراجع في الدعم الخارجي، وبيئة دولية غير مواتية ، غير أنه و وسط هذه العواصف، لا تزال الدولة الأردنية تملك مقومات النجاة: قيادة حكيمة ، ومؤسسات مرنة، علاقات دولية مدروسة، ووعي شعبي إذا ما أُحسن توجيهه يمكن أن يكون صمام أمان لا يُستهان به ، بالتالي المطلوب الآن ليس الانحياز للدولة باعتبارها سلطة، بل الانتصار لها باعتبارها فكرة ومصير ، وهذا يتطلب من الدولة أن تُصغي بصدق، وأن تُشرك مواطنيها بجرأة، كما يتطلب من المجتمع أن يرتقي بخطابه، فيضع الأردن في مقدمة أولوياته، لا كواجهة بل كقضية وطنية ، لهذا لا نريد دولة تُملى علينا من الخارج، ولا نريد خطابًا يعيد إنتاج الأزمات ، نريد دولة حقيقية، متصالحة مع ماضيها، وواعية لتحدياتها، ومنفتحة على المستقبل، بقيادة تستشرف، ومجتمع يحاور، ومؤسسات تنهض ، وإن اللحظة السياسية الراهنة لا تحتمل التأجيل ، فالدولة الأردنية يجب أن تكون مشروع الجميع، ومن لا يرى في ذلك أولوية، فليصارح نفسه: ما البديل؟! ومن المستفيد؟! هذا هو السؤال على طاولة الأردن ، والإجابة واجب وطني على الجميع ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .