مع بداية عام 2025، عادت المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران إلى واجهة الأحداث الدولية، لكن هذه العودة لم تكن تحمل روح التفاؤل المعتادة في السياقات الدبلوماسية، بل جاءت وسط أجواء مشبعة باليأس والشكوك وانعدام الثقة ، فالواقع السياسي والعسكري، كما تشير العديد من التحليلات الميدانية والاستراتيجية، يشي بأن هذه المفاوضات "وُلدت ميتة"، وأن السيناريو القادم سيكون محكومًا بمنطق القوة لا الحوار، وبالضربات لا التفاهمات ، و
قد أثبتت السنوات الأخيرة أن الملف النووي الإيراني لم يعد محصورًا في نطاق البرنامج ذاته، بل أصبح مرآةً عاكسة لتوازنات القوى الإقليمية والدولية ، ومن هذا المنظور، فإن الإدارة الأمريكية، على الرغم من محاولاتها المتكررة لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات وفق شروط صارمة، تدرك اليوم أن الاستراتيجية الإيرانية باتت أكثر جرأة، مستندة إلى شبكة حلفاء إقليميين، وبراغماتية دبلوماسية مع روسيا والصين، ما يجعل من أي تفاوض حقيقي مهمة شبه مستحيلة دون ضغط عسكري حاسم ، بالتالي المؤشرات القادمة من واشنطن وتل أبيب تفيد بأن الضربات العسكرية على المنشآت الإيرانية لم تعد خيارًا مطروحًا بل تحولت إلى ضرورة ملحّة في أعين صناع القرار ، لكن المفارقة تكمن في طبيعة هذه الضربات المقبلة ، فهي وفق تسريبات استخبارية وتصريحات علنية لبعض المسؤولين، ستكون ضربات دقيقة وسريعة ومحددة بأهداف ذات طابع مدني-عسكري مختلط، باستخدام تكنولوجيا هجومية متقدمة قد تشمل أسلحة ذات إشعاعات نووية محدودة التأثير البيئي، بما يضمن عدم إلحاق ضرر بدول الجوار، خصوصًا الخليج العربي ، و
هذه الاستراتيجية العسكرية المدروسة تعكس أمرين :
1. الوعي الأمريكي الإسرائيلي بحساسية الجغرافيا الإقليمية وتعقيداتها.
2. الرغبة في تجنب انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة شاملة يصعب ضبط مفاعيلها.
لكن تبقى المعضلة في إيران، التي راكمت خبرات طويلة في الرد غير المباشر، لن تقف مكتوفة الأيدي ، وردّها، كما يُتوقع، سيكون متشعبًا وعابرًا للحدود : ففي لبنان، قد يتم تحريك ما يُعرف بـ"عماد 4 وأخواته"، وهي وحدات نوعية مدربة ومجهزة لتنفيذ عمليات صاروخية ومسيّرة، تستهدف مراكز حيوية إسرائيلية وربما أمريكية ، وفي العراق، قد تنشط الميليشيات المتحالفة مع طهران باستخدام الطائرات المسيّرة والأسلحة الذكية لضرب المصالح الأمريكية في المنطقة الخضراء أو القواعد المنتشرة في غرب العراق ، أما
في البحر الأحمر والخليج، فمن المتوقع أن تُفتح جبهات بحرية غير تقليدية، عبر زوارق انتحارية أو ألغام ذكية ، وفي المقابل يبقى الحديث عن ضربات "نظيفة بيئيًا" يعكس مرحلة جديدة من التفكير الاستراتيجي الأمريكي، حيث لا تعود الحرب ميدانًا للفوضى، بل أداة محسوبة لإعادة تشكيل البيئة السياسية دون تخريب بيئي أو تدمير اقتصادي شامل ، وهذا توجه ينسجم مع الضغوط الدولية المتزايدة لاحترام الاتفاقيات المناخية، حتى في سياقات النزاع العسكري ، ولكن، ورغم كل هذه الحسابات الدقيقة، فإن البيئة الإقليمية ذات طبيعة ديناميكية وغير متوقعة، وقد تشهد انفلاتات غير محسوبة خاصة مع دخول أطراف ثالثة على خط الأزمة (كالحوثيين في اليمن، أو مجموعات غير منضبطة في سوريا) ، لهذا فإن ما نراه اليوم ليس مجرد فشل تفاوضي، بل تحوّل في بنية الصراع ذاته ، فالمفاوضات الأمريكية الإيرانية لم تمت فقط، بل حُفرت لها قبرًا جماعيًا في ذاكرة الشرق الأوسط المعاصر ، والضربات آتية لا محالة، لكن ما بعدها هو الأهم: هل سيكون الرد الإيراني متوازنًا؟! هل ستتحول المواجهة إلى صراع مفتوح؟! وهل يمكن للنظام الدولي أن يفرز مبادرة احتواء جديدة تنقذ ما تبقى من استقرار هش؟! وفي نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بإيران وحدها، بل بمستقبل الشرق الأوسط كله ، وربما، كما يقال في كواليس التحليل الاستراتيجي، الضربة الأولى لا تحسم الحرب، لكنها تحدد من يملك الكلمة الأقوى في بدايتها ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .