في ظل المستجدات الأمنية الأخيرة التي شهدها الأردن، والتي تمثلت في إحباط أربع شبكات مرتبطة بتنظيمات محظورة، يبرز مجددًا المأزق القانوني والتنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، هذه المستجدات تُظهر بوضوح العلاقة المعقدة بين الجماعة والدولة، في وقت يزداد فيه الجدل حول شرعية وجود تنظيم موازٍ للتنظيم السياسي المرخص، وهو ما يُعتبر خرقًا للقانون والدستور الأردني ، فمن الناحية القانونية، تواجه جماعة الإخوان المسلمين مشكلة مستمرة تتعلق بوجود تنظيمين داخل هيكلها: أحدهما مرخص كحزب سياسي علني، والآخر غير مرخص ويعمل في الظل من خلال شبكات غير قانونية ، وهذا الوضع يخلق تضاربًا بين النشاطات القانونية والأنشطة التي تقع خارج الإطار القانوني، مما يضع الجماعة في مواجهة مع السلطة القضائية والتشريعية في الأردن ، والدولة الأردنية تشدد على أن الدستور لا يسمح بوجود كيانات سياسية تعمل خارج النظام المؤسسي للدولة، وأن القانون يجب أن يكون هو المرجعية الوحيدة لجميع القوى السياسية ، و
في هذا السياق، يُعتبر استمرار الجماعة في التمسك بتلك الازدواجية التنظيمية مخالفة واضحة للقانون ، وبالرغم من الفرص العديدة التي أتيحت للجماعة لتسوية أوضاعها القانونية، فإن رفضها لتصحيح وضعها يعزز من فكرة أن هناك "تحديًا قانونيًا" مباشرًا للنظام الدستوري ، وإن هذا الموقف لا يُعدّ مجرد انحراف تنظيمي بل يعكس إصرارًا على إضعاف هيبة الدولة والقانون، مما يُصعّب إيجاد تسوية سياسية مقبولة، أما على الصعيد التنظيمي، فيُمكن اعتبار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في مأزق هيكلي عميق ، فالنظام الأردني يعتمد على مبدأ الدولة القانونية التي لا تقبل التعددية التنظيمية خارج مؤسساتها ، بالتالي فإن وجود تنظيم خفي موازٍ للتنظيم المرخص يزعزع ثقة المواطنين في نزاهة النظام السياسي، ويعزز حالة من الشك حول قدرة الدولة على تطبيق قوانينها على جميع المواطنين والأحزاب السياسية بشكل متساوٍ ، وهذه الازدواجية تُعتبر تهديدًا جوهريًا لمبدأ سيادة القانون والمساواة أمامه ، و
تاريخيًا، تعاملت بعض الدول مع جماعات مثل الإخوان المسلمين بطرق مختلفة ، ففي تونس والمغرب تم دمج الجماعات ضمن النظام القانوني، بينما في مصر ودول الخليج تم التعامل مع هذه الجماعات بحزم أكبر ، ورغم أن الأدوات تختلف، إلا أن الرسالة واحدة: " لا شرعية خارج شرعية الدولة " ، في حين أن
الانتقال إلى الدولة الحديثة ،
لا يُطلب من الجماعة شيئًا أكثر مما يُطلب من بقية الأحزاب السياسية: مثل الالتزام الكامل بالقانون، والانخراط في العملية السياسية من خلال القنوات المرخصة، دون أي تجاوزات أو التفاف على النظام القائم ، والتمسك بأي خصوصية تنظيمية أو امتياز تاريخي في هذا السياق يُعدّ خطوة بعيدة عن متطلبات الدولة الحديثة، والتي تقتضي احترام مؤسساتها والتزام القانون ، لهذا نجد أن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مرهون بقدرتها على التحول من "جماعة فوق الدولة" إلى "جماعة داخل الدولة وتحت مظلة القانون" ، وهذه النقلة التنظيمية هي ما يُمكن أن يُبقي الجماعة فاعلًا سياسيًا مشروعًا ويسهم في حماية الوحدة الوطنية، ويُجنب البلاد خطر الانقسام والتوترات السياسية التي تؤثر على استقرار الدولة ، فضلاً عن أن
المأزق الذي تواجهه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ليس مجرد خلاف سياسي، بل أزمة قانونية وتنظيمية تهدد استقرار الدولة ، والتحدي الأساسي الذي يواجه الجماعة هو التكيف مع منطق الدولة الحديثة، التي لا تقبل ازدواجية الولاءات أو التنظيمات التي تعمل خارج إطار القانون ، وفي النهاية، فإن الدولة الأردنية، إذا اضطرّت، ستنتصر لمنطق القانون، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لحماية سيادة الدولة وضمان وحدة الوطن ، ولا مصلحة لأحد أن يكون في الجهة الأخرى من هذه المعادلة . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .