في زمن باتت فيه الحرب على الأوطان لا تُشن فقط بالصواريخ والطائرات، بل أيضًا بالكلمات والشعارات والمفاهيم، وجميعنا سمع صوت الهتافات المسيئة للمؤسسات الوطنية السيادية، لا سيما الجيش العربي والمخابرات العامة الأردنية، وهي هتافات تحمل في ظاهرها صخبًا شعبيًا، لكنها في جوهرها تهدد هيبة الدولة وتماسك المجتمع وتفتح ثغرات في جدار الثقة بين الشعب ومؤسساته ، وحين يتردد في الساحات: "سمع لي المخابرات... بكفي اعتقالات... بكفي افتراءات"
"الجيش العربي وين؟"
ويرد البعض: "نايم!"
فالمسألة لم تعد حرية رأي، بل أصبحت تخريبًا ناعمًا يُغلف بعبارات جماهيرية ويُروج له في لحظة سيولة مجتمعية خطيرة ، لهذا لابد أولًا من قراءة في الهتافات ، بين الغضب والتسييس :
1. "سمع لي المخابرات ، بكفي اعتقالات ، بكفي افتراءات"
هذا الشعار ينطوي على اتهام مباشر لمؤسسة أمنية سيادية بممارسة الاعتقال التعسفي والافتراء على المواطنين ، و
إن استخدام عبارة "سمع لي" يُقصد به تحدٍ مفتوح وتحريض مباشر ضد جهاز وطني يُعد في صلب منظومة الدفاع عن الدولة ، وفي التحليل القانوني نجد أن هذا الهتاف يُفسّر على أنه : تشويه لسمعة جهاز أمني، ما يندرج ضمن المادة 132 من قانون العقوبات باعتباره إساءة لهيبة الدولة ، وتحريض على الكراهية ضد جهة رسمية، يخضع لـ قانون الجرائم الإلكترونية 2023 في شقه المتعلق بخطاب الكراهية والتحريض ، كما يُحتمل اعتباره مساسًا بالأمن الداخلي، إذا تم ضمن سياقات تُشعل الاحتقان أو تُلهب الجماهير ضد المؤسسات الأمنية.
2. "الجيش العربي وين؟" – "نايم" ، وفي هذا الهتاف تجريح مباشر لكرامة الجيش العربي، الذي لم يتخلّ يومًا عن مسؤولياته، سواء على الحدود أو في حفظ النظام أو في دعم الشعب وقت الأزمات ، و
التشكيك في يقظة الجيش وأدائه ليس نقدًا، بل تشويه رمزي لوظيفة الجيش كحامٍ للدولة والشعب ، والتحليل القانوني لهذا الهتاف : أي إهانة للجيش بشكل علني، ولو بهتاف جماعي، تعتبر سلوكًا مجرمًا وفق المادة 118 من قانون العقوبات التي تجرّم الأعمال أو الأقوال التي قد تؤدي إلى إضعاف الثقة بالقوات المسلحة ، والهتاف يُصنّف ضمن أعمال إضعاف الروح المعنوية، وهو خطر استراتيجي على الدولة، خاصة في بيئة إقليمية غير مستقرة.
ثانيًا: هل الهتاف السياسي مُطلق الحماية؟! وللإجابة نقول: يعتقد البعض أن الهتاف الجماعي يمنحهم حصانة، لكن حرية التعبير في الأردن محكومة بالقانون، وليست حقًا مطلقًا ، فالمادة 15 من الدستور الأردني تنص على :
"حرية الرأي مكفولة، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير، بشرط ألا يتجاوز حدود القانون."
وهذا يعني : أنه لا يجوز أن تُستخدم حرية التعبير لإهانة أو تحقير أو النيل من كرامة الأجهزة الوطنية ، ولا يجوز أن تتحول الساحات إلى منصات لتقويض ثقة الناس بالمؤسسات السيادية، خاصة تلك المعنية بحماية الدولة.
ثالثًا: الهتاف المسيء كأداة اختراق أمني واجتماعي
تاريخيًا، فإن الهجمات على الأجهزة السيادية في أي دولة غالبًا ما تكون تمهيدًا لمحاولات زعزعة الدولة من الداخل ،
فعندما يهتف البعض ضد الجيش والمخابرات، فهم:
يضعفون المعنويات العامة ، و
يشككون في شرعية الأجهزة الأمنية ، ويخلقون مناخًا خصبًا للفوضى وتبرير العنف ضد الدولة ،وهو ما لا يمكن اعتباره "رأيًا سياسيًا" بريئًا، بل مؤشرًا على خرق في جدار الوعي الوطني.
رابعًا: السياق المجتمعي والسياسي للهتافات ، و
قد يُقال إن هذه الهتافات تُطلق في لحظة انفعال أو احتجاج على ظروف اقتصادية أو سياسية، وللرد نقول :
هل يُبرر الغضب الشعبي التحقير والإهانة العلنية للجيش والمخابرات؟!
وهل يعقل أن يتم تصدير الإحباط الاجتماعي باتجاه المؤسستين الوحيدتين اللتين لا تزالان تقفان بثبات؟!
فالحراك الشعبي، إذا لم يضبط خطابه، يتحول من أداة إصلاح إلى وسيلة هدم.
خامسًا: ما بين الحرية والفوضى ،ما هو المطلوب؟! علينا أن نفرّق بوضوح بين "النقد البنّاء" و"التحريض الممنهج" ، وأن نحمي حق التعبير، لكن دون أن يُستغل هذا الحق لتدمير المقومات المعنوية للدولة ، وأن يُطبّق القانون بحزم ضد كل من يتجاوز حدوده، خاصة حين يتعلق الأمر بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، وخلاصة القول : الكلمة قد تقتل، والهتاف قد يهدم في زمن الاضطراب الإقليمي، لا يحتاج العدو الخارجي سوى لهتاف داخلي يسقط المعنويات، ويضرب رموز السيادة، ويزرع الفتنة بين الشعب والدولة ، بالتالي فمن يُهاجم الجيش أو يسيء للمخابرات العامة، ليس ناقدًا ولا معارضًا ، بل شريك ضمني في مشروع تفكيك الوطن ، وإن الصمت على هذه الهتافات ليس حيادًا، بل تواطؤًا يُشرعن الفوضى ،
فلنُحصّن وعينا كما نُحصّن حدودنا، ولنردد من جديد:
الجيش والمخابرات ، خطوط حمراء لا تُمس.
نعم للحرية ، لا للعدمية.
نعم للإصلاح ، لا للانتحار الوطني ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .