بقلم: ماجد الفاعوري - في زمنٍ تتحرّك فيه الشعوب بأصوات المنصات، وتُصنع السياسات عبر التغريدات والمقاطع القصيرة، ما زال الإعلام الأردني يراوح مكانه، سجينًا لأدوات تقليدية وخطاب باهت، وسط عالم إعلامي متحوّل تفرضه القنوات الإلكترونية العابرة للحدود، التي باتت تتقن فنّ استهداف الرأي العام الأردني، بينما إعلامنا المحلي يغطّ في سباتٍ بيروقراطي خانق
إعلام النسخ واللصق أزمة فكر أم أدوات؟
لقد تحوّل جزءٌ كبير من الصحافة الأردنية إلى "مكتب بريد" ينقل الأخبار من وكالة الأنباء الرسمية دون أدنى مجهود تحليلي أو تحقيق صحفي مستقل. فهل يكفي أن نعيد نشر ما تقوله الدولة دون أن نفسّره، أو نفهمه، أو حتى نواجهه بأسئلة ضرورية؟
الإعلام الذي لا يزعج أحدًا لا يحرّك أحدًا. والمواطن الأردني لم يعُد يقنعه خبر من سطرين، ولا مقالة مهادنة، بل يريد من يطرح قضاياه بجرأة ويكاشفه بالحقيقة
فأين نحن من هذا النموذج؟ بل أين إعلامنا من قضايا الوطن الكبرى: الفقر، البطالة، الاقتصاد ،التهديدات الإقليمية، والعبث بهوية الدولة؟
غياب الرواية الأردنية
بينما تتفنّن قنوات خارجية بتقديم روايات إعلامية حية وشعبوية تلامس وجدان المواطن الأردني، نلحظ غيابًا فاضحًا لما يُسمى بـ"الرواية الأردنية" وغيابًا أعمق للأجهزة السيادية عن الاستثمار في هذه الجبهة. فأين وحدة الإعلام في الديوان؟ وأين الذراع الإعلامي للدولة في مواجهة إعلام الخصوم؟ هل يكفي أن نكتفي بالردّ على تغريدة، أو تفنيد منشور على "فيسبوك"، في حين تُبنى سرديات ضخمة تُغذي الشارع ضد الدولة؟
إن غياب العقل الاستراتيجي في صناعة الإعلام أدى إلى خلق فراغ ملأته قوى إقليمية وأيديولوجية ذات أجندات واضحة، في حين أن الدولة الأردنية ما تزال تتعامل مع الإعلام على أنه ديكور أو أداة ضبط اجتماعي
أزمة الكادر والعقل
الإعلام الأردني لا يفتقر فقط إلى الموارد، بل إلى القيادات الإعلامية التي تفهم معنى التأثير. فغالبية المؤسسات الإعلامية تُدار بعقليات أمنية أو تجارية، بعيدة عن روح المهنة، ما أفرز جيلاً من الصحفيين الباحثين عن الراتب لا الحقيقة
نحتاج إلى إعلام وطني شجاع لا يكتفي بالتصفيق، بل يملك الجرأة على النقد من داخل الدولة ومن أجل الدولة. الإعلام لا يُبنى بالولاء، بل بالكفاءة والحرية
ومن المفارقات أن يُختزل دور الإعلام الأردني اليوم في تقديم إذاعات صباحية لتفريغ هموم المواطن عبر اتصالات هاتفية عابرة، وكأن المطلوب هو التنفيس عن جزء لا يُذكر من المعاناة اليومية، لا مواجهتها أو معالجتها. إن الإعلام الذي يُستخدم كصمام أمان اجتماعي فقط، سرعان ما يتحول إلى وسيلة تجميل للواقع، لا تغييره .
نحو ثورة إعلامية أردنية
الأردن لا يحتاج إلى إعلام "كوبي بيست"، بل إلى إعلام ثوري محترف، يعيد الاعتبار للتحقيق الاستقصائي، ويكسر احتكار المعلومة، ويفتح المجال للأصوات الجادة التي تمثل نبض الشارع من دون أن تبتذله نحتاج إلى
1. مؤسسات مستقلة فعليًا لا تخضع لتلفونات المسؤولين
2. إعلاميين مدرّبين على أدوات العصر الرقمي والتحليل العميق
3. رؤية إعلامية استراتيجية تضع روايتنا الوطنية في قلب الصراع المعلوماتي
4. دعم سيادي للمحتوى الوطني الجاد بدل الاكتفاء بالردود الارتجالية
ثمة معركة مفتوحة على وعي المواطن الأردني، ولا يمكن كسبها إلا بإعلام قوي يعرض الحقيقة كما هي، دون تضليل، ودون الحاجة إلى التشكيك بالرواية الحكومية أو الوقوع في فخ الإنكار. الإعلام الوطني الحقيقي لا يعارض الدولة، بل يحميها من الداخل عبر كشف مواطن الخلل وإعلاء صوت الناس. وقد آن الأوان لأن ندرك أن الصمت الإعلامي أخطر من الضجيج، وأن غياب الرواية الرسمية المقنعة هو الباب الأوسع لتسلل الفوضى والمبالغات .
إن الثورة الإعلامية اليوم ليست ترفًا، بل ضرورة وطنية، وركيزة من ركائز الأمن الوطني الأردني .