في تحول لافت يعكس قلقاً متنامياً في المجتمع الأميركي، تشهد الولايات المتحدة موجة متسارعة من "تحصين المنازل"، حيث بات العديد من الأميركيين—من مختلف الطبقات—يسعون لتحويل منازلهم إلى ملاجئ آمنة ضد تهديدات محتملة، من الحروب النووية إلى الأوبئة والانهيار الاقتصادي ، وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الظاهرة لم تعد مقتصرة على الأثرياء، بل تمددت لتشمل الطبقات الوسطى والأدنى، بعد أن أصبحت خدمات مثل بناء المخابئ والأنفاق وغرف الهروب والملاجئ السرية متاحة بأسعار تبدأ من عشرات الآلاف من الدولارات ، وقد وجدت شركات متخصصة في هذا المجال—مثل أطلس للملاجئ وكرييتيف هوم إنجينيرينغ وفيفوس غروب—فرصاً استثنائية للنمو في سوق مدفوعة بالخوف والترقب المستمر ، وبحسب استطلاع رأي أُجري عام 2023، فإن أكثر من ثلث البالغين في أميركا يستعدون فعلياً لما يصفونه بـ"سيناريو نهاية العالم" ، وقد أنفق هؤلاء ما مجموعه 11 مليار دولار خلال عام واحد فقط على تجهيزات البقاء ،ويقول رون هوبارد، مدير شركة أطلس، إن شركته تشهد ازدهاراً غير مسبوق، إذ يتزايد الإقبال على بناء ملاجئ تحت الأرض مجهزة بأرقى وسائل الراحة: من مرائب السيارات إلى الصالات الرياضية والمساحات الخضراء، بما يشبه حياة فاخرة تحت الأرض ، ولكن الطموح لا يتوقف عند الأثرياء. فقد بدأت الشركة بتقديم ملاجئ أكثر تواضعاً بسعر 20 ألف دولار، تستهدف الأميركيين الذين لا يتجاوز دخلهم السنوي 60 ألف دولار، أو كما يصفهم هوبارد: "سائقي الشاحنات من شيفروليه وليس أصحاب سيارات فيراري" ، ومن جانبها، ابتكرت شركة فيفوس غروب نموذجاً مختلفاً بتحويل مستودعات ذخيرة قديمة في داكوتا الجنوبية إلى معسكر ضخم للملاجئ، حيث يمكن استئجار مأوى فردي لمدة 99 عاماً مقابل 55 ألف دولار كرسم مقطوع، بالإضافة إلى رسوم سنوية ، غير أن هذه الملاجئ، رغم مدتها الطويلة، تُسلَّم فارغة من الداخل، حتى من البنية التحتية الأساسية ،
أما الطبقة المتوسطة، فقد وجدت في تقنيات التخفي والتحصين داخل المنازل بديلاً أقل تكلفة ، وهنا يبرز دور شركات مثل كرييتيف هوم إنجينيرينغ التي تقدم خدمات متقدمة مثل بناء خزائن أسلحة مخفية، وغرف سرية مخبأة خلف مواقد متحركة أو خزائن كتب، تماماً كما في أفلام الجاسوسية ، وفي أحد النماذج المثيرة، يكشف مؤسس الشركة ستيف هامبل عن مدفأة تُفتح فقط عندما يُعزف لحن جيمس بوند على بيانو قريب، لتقود إلى غرفة طوارئ مليئة بإمدادات غذائية وطبية يمكنها دعم الحياة لمدة عام كامل ،
ورغم أن هذه الاحتياطات قد تبدو لكثيرين أشبه بالهوس أو جنون العظمة، إلا أن هامبل يراها ضرورة وجودية. يقول: "في كل مرة تطلق فيها كوريا الشمالية صاروخاً، أُدرك أنني كنت على حق حين خزنت أقراص اليود" ، فبالنسبة له، ما كان يُنظر إليه سابقاً على أنه مبالغة، أصبح الآن ضرورة بديهية لمن يسعى إلى البقاء ، و
في ظل هذا التصاعد في القلق الجمعي، يبدو أن أميركا، بقيمها الفردانية وحساسيتها تجاه التهديدات، تعيد تشكيل مفهوم "البيت الآمن" ، فالمأوى لم يعد مجرد جدران وسقف، بل بات قلعة محصنة ضد كل ما هو محتمل ومجهول . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .