كشفت القضية الإرهابية الأخيرة التي أحبطها جهاز المخابرات العامة عن أبعاد تتجاوز المخطط التخريبي المباشر، لتسلط الضوء على خطر متنامٍ يهدد فئة الشباب، الذين باتوا هدفًا مباشراً لأساليب تجنيد ناعمة تمارسها التنظيمات المتطرفة عبر منصات التواصل والفضاء الرقمي .
ففي الوقت الذي تمكن فيه الأشاوس في الجهاز الأمني من إلقاء القبض على عناصر الخلية في مرحلة مبكرة، فإن التحقيقات الأولية تشير إلى أن بعض الشباب المعتقلين حالياً لم يكونوا من المخططين أو المنفذين الرئيسيين، بل تم استدراجهم عبر خطاب متطرف مغلّف بشعارات مضللة .
هؤلاء تورطوا بدرجات مختلفة، تراوحت بين الترويج والدعم اللوجستي، وصولاً إلى المشاركة في التخطيط .
ما يثير الحزن الحقيقي في هذه القضية وبعض القضايا المشابهة أن بعض المتورطين هم في الواقع ضحايا، لا شركاء أصيلين في الجريمة .
ضحايا أجندات خارجية، وسماسرة أوطان يختبئون في بيوتهم ومكاتبهم، يطلقون دعوات التحريض من وراء الشاشات، ويغذّون مشاعر الغضب واليأس بخطابات ظاهرها الإصلاح وباطنها الخراب .
أولئك الذين يتاجرون بالشعارات ويتركون الشباب يواجهون مصيرهم وحدهم، هم الجناة الحقيقين .
إنهم لا يعرفون شيئاً عن النضال أو الفداء، بل يتقنون فن التلاعب، ويجيدون الهروب عند أول منعطف، تاركين خلفهم من انخدع بهم ليحمل وزر الجريمة وحده .
إن التعامل مع هؤلاء الشبان يتطلب عدالة حازمة ضد من يهدد أمن الوطن، لكنها أيضاً رحيمة وعادلة في التمييز بين من ضل الطريق عن جهل أو يأس، وبين من خطط وساهم في نشر الفكر المتطرف عن سابق إصرار فالقضية، في نهاية المطاف، ليست فقط أمنية، بل إنسانية ووطنية في آن .
العديد من هؤلاء الشبان يواجهون اليوم أحكاماً قضائية قاسية، ما يفتح الباب أمام نقاش عام حول سبل مواجهة هذا النوع من الخطر الذي يضرب من الداخل .
فهل يكفي الدور الأمني، مهما بلغ من احترافية، لمواجهة تطرف ينمو في الفضاء الافتراضي ويتسلل إلى العقول؟ أم أننا بحاجة إلى مقاربة وطنية شاملة، تحصن المجتمع وتعالج أسباب الانجراف الفكري والسلوكي؟
المعطيات الحالية تؤكد أن جماعات الإرهاب لم تعد تعتمد فقط على وسائل التجنيد الكلاسيكية، بل باتت تلجأ إلى أساليب أكثر حداثة ودهاء، تعتمد على التأثير النفسي والتلاعب العاطفي والفكري، مستهدفة شريحة الشباب تحديداً .
منصات مثل "تيليغرام" و"فيسبوك" ومجموعات مغلقة تُستخدم كقنوات لنشر أفكار متطرفة، أحياناً تحت غطاء ديني أو سياسي أو حتى إنساني .
وبحسب خبراء، فإن هذا النوع من النشاطات يصعب رصده مبكراً، خصوصاً عندما تكون مموهة ضمن محتوى عام يبدو للوهلة الأولى غير ضار .
في المقابل، يحمّل مراقبون بعض المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية جانباً من المسؤولية، نظراً لضعف البرامج التوعوية وغياب خطاب بديل قادر على جذب الشباب وتحصينهم فكرياً .
ويطالبون بإطلاق مبادرات شاملة، تشمل مراجعة المناهج، وتنظيم حملات رقمية مضادة، وفتح قنوات حوار مجتمعية فاعلة .
لقد أثبتت الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة، جاهزيتها وكفاءتها في إحباط المخططات التخريبية قبل أن ترى النور، غير أن ما بعد الضبط هو التحدي الأكبر.
فالتطرف لا يُقاس فقط بعدد القنابل المصادرة أو المخططات المكشوفة، بل بعدد العقول التي تم تحصينها ومنع سقوطها .
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة لتفعيل خطط وطنية تعالج الجذور لا فقط النتائج، وتمنح الشباب بدائل حقيقية: في التعليم، في التشغيل، في المشاركة العامة، وفي الانتماء الإيجابي للدولة .
ختاماً ..
القضية الإرهابية الأخيرة لم تكن فقط محاولة لتفجير أو تخريب... بل كانت دليلاً جديداً على أن الخطر قد يأتي عبر شاشة هاتف، أو منشور إلكتروني، أو رسالة مشبوهة والتصدي له، رغم صعوبته، يبدأ من إدراك أن أمن الفكر لا يقل أهمية عن أمن الحدود، وأن معركة الوعي يجب أن تُخاض بالتوازي مع معركة السلاح .
#حمى_الله_الاردن_ارضا_وشعبا_وقيادة
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي