إسرائيل بين القوة والتحديات الوجودية.

حين نلقي نظرة عامة على "إسرائيل"، نجد دولة معترف بها دوليًا، يبلغ تعداد سكانها اليهود حوالي 7 ملايين نسمة، وتتمتع باقتصاد قوي، وجيش متقدم، وتفوق عسكري على الدول الإقليمية، وتاريخ من تحالفات وثيقة مع القوى الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة، فضلاً عن علاقات دبلوماسية قوية ومتزايدة مع أوروبا، الصين، الهند، وبعض الدول العربية ، وقد يبدو من هذا المنطلق أن بقاء دولة بهذه الإمكانات ليس موضع شك ، ولكن على الرغم من كل ذلك، تعاني إسرائيل من شعور بالتهديد الوجودي يتغلغل في المجتمع ويشكل جزءًا من الخطاب الإسرائيلي الرسمي والشعبي، مع تنامي التركيز على قضايا الأمن القومي من قبل الباحثين في المؤسسات العسكرية والأمنية، و وفقًا لدراسات إسرائيلية حديثة، فإن إسرائيل تواجه 5 تهديدات رئيسية تهدد وجودها، تتنوع ما بين تحديات ذات طابع عسكري/أمني وسياسي/اجتماعي، ونستعرضها فيما يلي:
1. هجوم صاروخي متعدد الجبهات ، و يعتبر هذا السيناريو من أبرز المخاوف الأمنية لإسرائيل، حيث يتوقع باحثون في الجيش الإسرائيلي، مثل أودي ديكل، سيناريو قد يؤدي إلى شلل تام في الدفاعات الإسرائيلية حال تعرضها لهجوم صاروخي من عدة جبهات ، وعلى الرغم من الاستثمار الكبير لإسرائيل في تطوير منظومات دفاعية كالقبة الحديدية، ومقلاع داوود، ومنظومة السهم، إلا أن تنوع وكثافة الصواريخ المتوقع استخدامها من قبل أعداء إسرائيل يجعل من الصعب على تلك الأنظمة صد هجوم واسع ومركز ، ففي حال توجيه هجوم من إيران، سوريا، لبنان، والعراق، بالإضافة إلى غزة، باستخدام صواريخ دقيقة وطائرات دون طيار، قد تواجه إسرائيل كارثة غير مسبوقة، تتمثل في تدمير البنية التحتية وارتفاع كبير في الخسائر البشرية.
2. تحالف إقليمي عسكري ضد إسرائيل ، فعلى الرغم من أن إسرائيل لا تزال تتمتع بتفوق عسكري في الشرق الأوسط ودعم قوي من الولايات المتحدة، فضلاً عن أن العديد من الدول العربية ترى فيها شريكًا استراتيجيًا ضد التهديدات المشتركة ، مع ذلك، يقلق الخبراء من احتمالية تشكيل تحالف إقليمي من الدول العربية أو الإسلامية في المستقبل ، ويعتمد هذا التخوف على فرضية أن تغييرات سياسية كبيرة قد تؤدي إلى تحول التحالفات أو تسليح دول كالسعودية بأنظمة متقدمة قد تقع في أيدي خصوم إسرائيل ، ويعزز من ذلك الاحتمالات المتزايدة لتراكم الأسلحة في المنطقة، والتي قد تنتقل إلى خصوم محتملين لإسرائيل.
3. الانتشار النووي في الشرق الأوسط ، ويشكل السباق النووي مصدر قلق لإسرائيل التي تعد حتى الآن القوة النووية الوحيدة في المنطقة ، ووفقًا للباحثين يوئيل جوزانسكي وجاليا ليندا شتراوس، فإن المشروع النووي الإيراني حفّز عدة دول عربية على تطوير برامج نووية، بعضها ذو طابع مدني حاليًا، مثل السعودية والإمارات ، ويعد التهديد من فقدان إسرائيل احتكارها النووي خطيرًا لأنه قد يُفقدها تفوقها العسكري الاستراتيجي، ويدفع الدول الأخرى إلى اتباع مسار مشابه ، ومن جانبها، تبدي السعودية استعدادها لتطوير قدرات نووية عسكرية إن أقدمت إيران على امتلاك سلاح نووي، مما يجعل المنطقة أمام تحدٍ أمني غير مسبوق.
4. التفكك الداخلي والتهديدات الاجتماعية ، و
يمثل التفكك الاجتماعي واحدًا من التهديدات الوجودية لإسرائيل، حيث تشير الباحثة بنينا شارفيت باروخ إلى أن إسرائيل مجتمع غير متجانس ويعاني من الاستقطاب بين مجموعات دينية وعلمانية، ويهود شرقيين وغربيين، وعرب ويهود ، وفي ظل غياب التجانس المجتمعي، تطفو الانقسامات على السطح، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض التماسك الداخلي في مواجهة الأزمات الخارجية ، وقد تدفع هذه الانقسامات إلى صراعات حول الهوية الوطنية والديمقراطية، إضافة إلى التوترات الديموغرافية ، مما يحفز سيناريو إخلاء المستوطنات بالضفة الغربية أو تأسيس دولة فلسطينية على نشوب صراعات داخلية قد تؤدي إلى حرب أهلية وتدمير الأسس الديمقراطية.
5. المقاطعة والعزلة الدولية ،
ومن التهديدات التي يخشى الإسرائيليون تأثيرها في المدى البعيد هو فرض عزلة دولية على إسرائيل نتيجة لممارساتها مع الفلسطينيين ، ونجد هنا عوديد عيران، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، يحذر من تأثير المقاطعة الدولية، لاسيما في حال تصاعدت ضغوط الاتحاد الأوروبي أو منظمات المجتمع المدني العالمية لفرض عقوبات ، ويرى عيران أن العزلة الدولية قد تؤدي إلى شلل اقتصادي وانهيار سمعة إسرائيل كدولة متقدمة، مما يؤثر بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي وقدرة إسرائيل على الانخراط في النظام العالمي بشكل طبيعي ،
وتبدو إسرائيل دولة قوية تتمتع بإمكانات اقتصادية وعسكرية تضمن لها التفوق الإقليمي، إلا أن واقع التهديدات الوجودية يخلق مشهدًا معقدًا يجعل مستقبلها محفوفًا بالمخاطر، رغم أنها تواجه تهديدات من الخارج والداخل على حد سواء ، ورغم الجهود التي تبذلها إسرائيل لتطوير قدراتها الدفاعية، وتحالفاتها الدولية، فإن استدامة هذا التوازن ليست مضمونة، ويحتاج الأمر إلى معالجة القضايا الداخلية والالتزام بمعايير المجتمع الدولي لضمان البقاء والاستقرار على المدى البعيد . ناشطة في حقوق الإنسان .

---