زاد الاردن الاخباري -
خاص- لوجهه و ملامحه تهتز الأعماق,
لصوته و حديثة تحتار كل القوافي,
لإنسانيته و عطفه تعجز الحروف و تشل الكلمات,
إنه الحسين..
إنه الأب و الإنسان,
إنه الباني و الحامي,
إنه الملهم و المعلم,
إنه راية كل الأبطال و حكاية كل الأجيال,
إنه صانع أمجاد الأمة,
إنه الحسين,
ها قد مرت اثنتا عشرة سنة على رحيلك, يا سيدي, أفلا نبكيك؟
أيها الغائب بجسدك, الحاضر بروحك و حبك, أفلا نبكيك؟
يا من ملأت الوطن حباً و أمناً و عطاءً و خيراً, أفلا نبكيك؟
أفلا نبكيك يا من رفعت هم الفقراء, و نصرت كل الضعفاء, يا من كنت رجلاً في زمن كثر فيه الجبناء, يا من تغنى بك الشعراء, و شهد لك الملوك و الأمراء.. و الله لا نملك لك سوى الدعاء و البكاء, أفلا نبكيك؟
أفلا نبكيك يا أبا عبدالله؟
يحيي الأردنيون اليوم الذكرى السادسة و السبعين لميلاد المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه, صاحب الدور الأكبر في تأسيس نهضة الأردن, رغم كل التحديات و المصاعب, حتى أمسى الأردن منارة للعلم و التقدم و البناء, و مثالاً للحضارة و الوفاق و الاتفاق و التسامح و العدل و كرامة الإنسان.
و الأردنيون, كما في كل عام, يجددون العهد و الولاء, لحامل الراية و وارث العرش الهاشمي, جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين, يدفعهم العزم و التصميم لمواصلة مسيرة النهضة و النماء و الخير و العطاء, من أجل النهوض بالوطن و تعزيز مكانته.
الحسين.. طفلاً و طالباً
أشرقت شمس الرابع عشر من تشرين الثاني عام 1935 لتعلن ميلاد الحسين, الابن البكر للأمير طلال بن عبد الله و الأميرة زين الشرف بنت جميل. ولد له بعد ذلك أختان, أسماء –و قد توفيت صغيرة- و بسمة, و ولد له أخوين, محمد و الحسن.
تلقى الحسين تعليمه الابتدائي في الكلية العلمية الإسلامية في عمان, انتقل بعدها إلى كلية فكتوريا في الاسكندرية المصرية, ثم انتقل إلى مدرسة هارو في إنجلترا, و لاحقاً تلقى تعليمه العسكري في كلية ساندهيرست العسكرية الملكية في انجلترا.
الحسين.. ولياً للعهد ثم ملكاً
في 21 تموز 1951, كان الحسين يؤدي صلاة الجمعة برفقة جده الملك عبدالله في المسجد الأقصى المبارك, حين قام أحدهم بإطلاق النار عليهما, ما أدى إلى استشهاد الملك عبدالله نتيجة إصابته بالرأس و الرقبة, أما الحسين فقد نجا بسبب اصطدام الرصاصة بمدالية كان جده قد أصرّ على وضعها عليه.
نتيجة لاستشهاد الملك المؤسس, نودي بالأمير طلال ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية و كان الحسين ولياً للعهد, إلًا أن المرض حال دون استمرار الملك طلال بالحكم فتنحى و نودي بالحسين ملكاً في 11 آب 1952, و لمّا كان الحسين في السابعة عشرة من العمر وقتئذ, فقد تم تشكيل مجلس وصاية على العرش إلى حين إعتلائه العرش رسمياً في 2 أيار 1953.
الحسين.. ملكاً و قائداً للنهضة
شهدت المملكة و المنطقة خلال 47 عاماً من حكم الحسين الكثير من الأحداث التاريخية. بدأت بتعريب قيادة الجيش العربي الأردني في آذار 1956, و ذلك بإعفاء قائد الجيش الضابط الإنجليزي "غلوب باشا" و كافة الضباط الإنجليز. كما قام جلالته بإنهاء المعاهدة البريطانية, و رفض استغلال القواعد الإنجليزية في الأردن لضرب مصر.
في شباط 1958 تم الإعلان عن قيام الاتحاد الهاشمي بين المملكة العراقية و المملكة الأردنية الهاشمية, و تركت العضوية مفتوحة لكل دولة عربية ترغب بالانضمام إليه, و نص الدستور على أن ملك العراق هو رئيس الاتحاد و أن مقر حكومة الاتحاد يكون بصفة دورية ستة أشهر في بغداد و ستة أشهر في عمان. إلا أن هذا الاتحاد لم يستمر لأكثر من ستة أشهر بسبب ثورة العراق العسكرية التي أطاحت بالنظام الملكي فيه.
حرب حزيران 1967 شهدت هزيمة الجيوش العربية المصرية و السورية و الأردنية و استيلاء إسرائيل على قطاع غزة و الضفة الغربية و سيناء و هضبة الجولان, و قد قدّم الجيش العربي الأردني في هذه الحرب الكثير من التضحيات دفاعاً عن القدس, فاستشهد المئات من الجنود الأردنيين على أسوارها.
بعد ذلك ببضعة شهور, حاولت إسرائيل الإستيلاء على الضفة الشرقية لنهر الأردن, فتصدّت لها قوات الجيش العربي الأردني, في معركة الكرامة في آذار 1968, التي استمرت لـ16 ساعة, اضطر بعدها الإسرائيليون إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم خسائرهم و قتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم, و اعتبرت تلك أول هزيمة للجيش الذي لا يقهر.
أيلول 1970 شهد توتراً على الصعيد الأردني – الفلسطيني, و قد سمّي أيلول الأسود, حيث تحركت بعض المجموعات الفلسطينية بشكل يهدد الحكم الهاشمي في المملكة, فأعلنت حالة الطواريء في الجيش العربي الأردني, و تحرك بناءً على أوامر الحسين و مستشاريه العسكريين, و اتهى وجود المنظمات الفلسطينية في الأردن.
في صيف 1988 اتخذ الحسين قراراً بانهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع المملكة الأردنية الهاشمية, فيما يعرف بقرار فك الارتباط, و ذلك بعد إعلان قيام دولة فلسطين برئاسة ياسر عرفات.
حرب الخليج الثانية التي وقعت في كانون الثاني 1991, بهجوم تحالف من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق, دفعت الحسين إلى إعلان تأييده للعراق, معتبراً الحرب عدواناً على الأمة العربية.
اهتم جلالته بترسيخ الديمقراطية في الأردن الحديث, فقد شهدت المملكة في عهده حياة برلمانية مستمرة باستثناء السنوات القليلة التي أعقبت حرب حزيران 1967, فقد تم فيها الاستعاضة عن الانتخابات بإنشاء مجلس وطني استشاري, إلى أن عادت الانتخابات البرلمانية في عام 1989 و أسفرت عن تأسيس النواب الحادي عشر بمشاركة شعبية واسعة من مختلف القطاعات وألوان الطيف السياسي .
قام جلالته رحمه الله في عام 1991 بدور رئيس في عقد مؤتمر مدريد للسلام, من خلال توفير مظلة للفلسطينيين للتفاوض حول مستقبلهم من خلال وفد أردني فلسطيني مشترك, وبعد حوالي عامين و في الثالث عشر من أيلول 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل إعلان مبادئ (أوسلو 1) حددتا فيه اطر التفاوض معا ومهد ذلك الطريق أمام الأردن للسير في مسار التفاوض الخاص به مع إسرائيل, وقد تم توقيع إعلان واشنطن في الخامس والعشرين من تموز 1994 الذي أنهى رسميا حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل والتي استمرت زهاء 46 عاماً.
على الصعيد المحلي, ركز الحسين منذ توليه السلطات على بناء بنية تحتية اقتصادية وصناعية, فشهد الأردن ثورة في مجال صناعات الفوسفات و البوتاس و الاسمنت, و امتدت شبكات الطرق لتغطي كافة أرجاء المملكة.
أما التعليم, فقد كان الأولوية الأهم بالنسبة له –رحمه الله-, فقد توسعت قاعدة التعليم الالزامي, و انتشرت المدارس في جميع مدن و قرى و أرياف المملكة, و أنشأت الجامعات و كليات المجتمع في أرجاء المملكة, فارتفعت نسبة المتعلمين في عهده إلى 85.5% عام 1996 بعد أن كانت 33% عام 1960.
الحسين.. الزوج و الأب
تزوج الحسين رحمه الله أربع مرات, و له احدى عشر ابناً و ابنة.
عام 1955 تزوج الحسين من الشريفة دينا بنت عبد الحميد, أنجب منها الأميرة عالية في عام 1956. و في عام 1961 تزوج من الملكة منى الحسين, أنجب منها الملك عبدالله عام 1962, و الأمير فيصل عام 1963, و الأميرة عائشة و الأميرة زين عام 1968. بعدها تزوج من الملكة علياء, و أنجبا في عام 1974 الأميرة هيا, و في عام 1975 الأمير علي, و تبنّا عبير عام 1976 و كانت تبلغ وقتها الرابعة من العمر. و أخيراً تزوج الملكة نور الحسين, و له منها أربعة أبناء: الأمير حمزة (1980) و الأمير هاشم (1981) و الأميرة إيمان (1983) و الأميرة راية (1986).
الحسين.. الرحلة الأخيرة
أصيب الحسين بمرض السرطان عام 1992, و كان يتردد على مستشفى مايو كلينيك في ولاية مينيسوتا الأمريكية للعلاج. و قد اشتد عليه المرض عام 1998, و أمضى فترة طويلة في الولايات المتحدة للعلاج. و قبيل وفاته –رحمه الله- قام بنقل ولاية العهد إلى ابنه الأكبر الأمير عبدالله, بعد أن ظل الأمير الحسن محتفظاً فيها منذ عام 1965.
و في السابع من فبراير عام 1999 أعلنت وفاة الحسين. فخرج الأردن كله بأهله و أرضه و مائه و هوائه لوداع الحسين, وسط جنازة حضرها عدد كبير من قادة و رؤساء العالم.